القوات الروسية لا تستبعد وضع مدن كبيرة في أوكرانيا تحت سيطرتها
على خلفية التصريحات الصادرة عن واشنطن والاتحاد الأوروبي حول عدم وقوع المدن الكبيرة في أوكرانيا تحت سيطرة الجيش الروسي وأن موسكو يجب أن تحدّد موعداً زمنياً لعمليّتها العسكرية في أوكرانيا، وذلك في محاولة لتوريط روسيا باقتحام هذه المدن التي يتخذ فيها المتطرفون النازيون من السكان المدنيين دروعاً بشرية، وبالتالي زيادة عدد الضحايا في صفوف المدنيين واتهام موسكو مباشرة بالمسؤولية عن ذلك، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أن القوات الروسية لا تستبعد وضع مدن كبيرة في أوكرانيا تحت سيطرتها الكاملة مع ضمان أقصى درجة من الأمن للسكان.
وقال بيسكوف في تصريح للصحفيين اليوم نقله موقع روسيا اليوم: “إن وزارة الدفاع الروسية مع ضمان أقصى درجة من الأمن للسكان المدنيين لا تستبعد إمكانية بسط سيطرة قواتها بشكل كامل على المدن الكبيرة التي أصبحت اليوم مطوّقة عملياً باستثناء المناطق المستخدمة لعمليات الإجلاء الإنسانية”.
وأوضح بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر وزارة الدفاع بالامتناع عن شن هجوم فوري على المدن الكبيرة بما فيها كييف بسبب قيام الفصائل المسلحة المتطرفة بتجهيز مواقع لإطلاق النار ونشر معدات عسكرية ثقيلة في المناطق السكنية، ولأن القتال في المناطق المكتظة بالسكان سيؤدّي حتماً إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين، مبيّناً أنه تم التخطيط للعملية مع أخذ هذه الحقيقة بالذات في الاعتبار في بداية العملية الخاصة في أوكرانيا.
وشدّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية على أن موسكو تعدّ موقف واشنطن والاتحاد الأوروبي استفزازياً لأنهما يدفعان روسيا بتصريحاتهما لاقتحام المدن الكبرى في أوكرانيا من أجل تحميلها لاحقاً مسؤولية مقتل المدنيين.
وأكد بيسكوف أن كل الخطط الروسية المتعلقة بنزع عسكرة أوكرانيا سيتم تنفيذها في المواعيد المقررة لها مسبقاً، مبيّناً أنه لن يتم الإفصاح عن الإطار الزمني للعملية العسكرية في أوكرانيا وروسيا تمتلك القدرة على تنفيذها في أوكرانيا وهي لم توجّه أي طلب للمساعدة من أي دولة.
وتعليقاً على تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن آفاق الاقتصاد الروسي تحت العقوبات، أعرب بيسكوف عن الثقة بأن موسكو ستتمكن من تقليل عواقب وأضرار الحرب الاقتصادية التي أعلنتها الدول الغربية ضد روسيا.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية أنه يتم اتخاذ تدابير لتقليل عواقب العقوبات، حيث تم تبني مجموعة كاملة من الإجراءات من البنك المركزي الروسي ويتم تنفيذها حالياً.
وفي سياق متصل، صرّح بيسكوف بأن موسكو ليست بحاجة إلى توجيه ممن قاموا بعمليات دون رحمة في يوغوسلافيا السابقة والشرق الأوسط وأفغانستان.
وتابع المتحدث باسم الكرملين: إن روسيا لا تحتاج إلى توجيه ممن اشتهرت عملياتهم في تلك البلدان بالقسوة، وأضاف قائلاً: “إن العالم بأسره يعرف قسوة أسلوب السلطات الأمريكية التي لا تضع لأرواح المدنيين قيمة من أجل تحقيق أهدافها، والجميع يتذكر القصف المكثف ليوغوسلافيا السابقة، والهجمات الصاروخية على وسط بلغراد، والضحايا المتعددة غير المبررة في دول الشرق الأوسط، والجرائم التي ارتكبت على مدار 20 عاماً في أفغانستان، عندما قتل مئات الأشخاص في أعراس ومبانٍ سكنية بضربة واحدة”.
وأشار بيسكوف إلى أن “كل هذه الوحشية لم تمنع هروب الولايات المتحدة الأمريكية المخزي من هذا البلد”، مؤكداً أن روسيا “ليست بحاجة لنصائح هؤلاء الاستراتيجيين”.
نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين أكد أن الولايات المتحدة تسيء استغلال إمكانياتها بصفتها الدولة المضيفة للأمم المتحدة، مشيراً إلى أهمية دور بلاده في إصلاح مجلس الأمن الدولي.
وأفاد فيرشينين في مقابلة صحفية وفقاً لوكالة تاس بأن بلاده ستلجأ إلى التحكيم فيما يتعلق باستغلال الولايات المتحدة سلطاتها بصفتها الدولة المضيفة للأمم المتحدة في إصدار التأشيرات للدبلوماسيين الروس.
وأوضح أن الحديث يدور من حيث الجوهر عن إساءة استخدام واضحة من الأمريكيين لإمكانياتهم كمضيفين من جهة ضمان فعالية عمل الأمم المتحدة، مضيفاً: “نحن ضد هذا الأمر ونسعى بقوة إلى إجراءات التحكيم وهو ما نصت عليه الاتفاقية ويجب على الأمين العام للأمم المتحدة أن يلجأ إليها”.
ووصف فيرشينين الإعلان الأمريكي الأخير باعتبار 12 دبلوماسياً روسياً لدى الأمم المتحدة أشخاصاً غير مرغوب فيهم والطلب منهم مغادرة البلاد، بأنه “انتهاك صارخ من الجانب الأمريكي للالتزامات التي يجب أن يتحملها كطرف توجد على أراضيه الهيئات المركزية للأمم المتحدة”.
وقال فيرشينين بهذا الشأن: “لقد بذلنا محاولات متكررة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وسنواصل العمل معه لأنه من الضروري التغلب على هذه المشكلة المتمثلة في أن الأمريكيين ولأسباب سياسية ضيقة لا يمنحون تأشيرات لممثلينا وممثلي بعض الدول الأخرى”.
وشدّد على أهمية دور بلاده في إصلاح مجلس الأمن الدولي، وقال في هذا الصدد: “نحن مع المفاوضات لإعطاء نتيجة ولكن نتيجة مدروسة وتحظى بدعم جميع أو معظم الدول الأعضاء”.
في سياق متصل، نفت السفارة الروسية في واشنطن مزاعم صحيفة “وول ستريت جورنال” بشأن ترهيب ممثلي الأعمال الأمريكية والتهديد بتأميم أصولهم في روسيا واصفة هذه المزاعم بأنها “محض خيال”.
وقالت السفارة في بيان لها اليوم أوردته وكالة تاس رداً على مزاعم الصحيفة: “من جديد ندعو وسائل الإعلام الأمريكية إلى وقف الممارسة الشريرة بنشر الأخبار الكاذبة ونؤكد أن ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال هو محض خيال، لافتة إلى أن العديد من الشركات الغربية تعمل في روسيا الاتحادية وأكثر من ألف منها أمريكية.
وأضاف البيان: “حتى في أصعب المواقف لا يتم التعدي على المصالح التجارية الأمريكية في السوق الروسية الواسعة بأي شكل من الأشكال”.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال نشرت أمس مقالة زعمت فيها بأن النيابة العامة الروسية هدّدت عدة شركات غربية بينها “ماكدونالز” و”كاكوكا كولا” و”بروكتر أند غامبل” بالملاحقة القضائية وتأميم أصولها لأنها قرّرت وقف عملها في روسيا في ضوء الوضع حول أوكرانيا.
من جهة ثانية، أكدت وزارة الخارجية الروسية أنها لا ترى سبباً لإرسال قوات حفظ سلام تابعة لهيئة الأمم المتحدة إلى أوكرانيا نظراّ لأن الوضع يخضع بالكامل لسيطرة الجيش الروسي.
وقال مدير إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية الروسية بيوتر إيليتشيف لوكالة نوفوستي: إن إرسال قوات حفظ سلام أممية إلى أوكرانيا ليس مطروحاً بالأساس حيث إنه ليس على جدول أعمال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو أي منصات دولية أخرى.
وأضاف إيليتشيف: إن المسار الإضافي لتسوية الوضع في الأزمة الأوكرانية سيعتمد على استعداد الجانب الأوكراني للبحث عن حلول وسط وبالتالي فإن الوضع الراهن لا ينص على أي مشاركة لأي وحدات حفظ سلام تابعة للمنظمة الدولية.
وشدّد إيليتشيف على أن الوضع الراهن يخضع للسيطرة الكاملة للقوات المسلحة الروسية ويسير وفقاً للأهداف والغايات المحددة للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
دوليّاً، انتقدت بكين مزاعم واشنطن الأخيرة بأن روسيا طلبت مساعدة عسكرية من الصين لدعم عمليتها الخاصة في أوكرانيا ووصفتها بأنها “كاذبة ومضللة” وفق ما أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان.
وأوضح لي جيان في إفادة صحفية اليوم أن “مزاعم الولايات المتحدة بشأن الأمر لا تعدو كونها معلومات كاذبة ومضللة”، وقال: إن واشنطن “تعمدت في الآونة الأخيرة نشر معلومات مغلوطة ومضللة عن الصين فيما يتعلق بالتطورات في أوكرانيا”.
وأعاد التذكير بأن “موقف الصين من أوكرانيا متماسك وواضح”، وأن بكين “لعبت دائماً دوراً بنّاء في عملية إرساء السلام ودفع المفاوضات”.
وجدّد لي جيان الدعوة إلى أن “تمارس جميع الأطراف سياسة ضبط النفس وتساهم في نزع فتيل الأزمة، وألا تصبّ الزيت على النار، وأن تعمل على تعزيز تسوية دبلوماسية للقضية بدل تصعيدها”.
وحول ما كشفته وزارة الدفاع الروسية عن وجود مختبرات بيولوجية أمريكية على الأراضي الأوكرانية، شدّد لي جيان على ضرورة أن تقدّم الولايات المتحدة تفسيرات بشأن نشاطها العسكري البيولوجي في العالم عامة وفي أوكرانيا خاصة، وقال: على “الولايات المتحدة أن تفتح هذه المختبرات أمام الخبراء الدوليين لكي يتفقدوها ويطّلعوا على نشاطاتها”.
وتساءل في إشارة إلى إزالة جميع الوثائق من موقع السفارة الأمريكية في أوكرانيا “ما الذي يحاولون إخفاءه…”.
وكانت وزارة الدفاع الروسية كشفت أن المختبرات البيولوجية التي أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 200 مليون دولار عليها في أوكرانيا تعاملت مع الجراثيم المسبّبة للطاعون والقرحة السيبيرية وأوبئة معدية أخرى.
ووفق الجنرال الروسي إيغور كيريلوف رئيس قوات الحماية من التلوث الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي، يوجد أكثر من 30 مختبراً بيولوجياً في أوكرانيا وتم إجلاء جميع مستلزمات مواصلة النشاط العسكري البيولوجي الأمريكي من أوكرانيا قبل أن تبدأ روسيا عمليتها العسكرية الهادفة إلى إخلاء أوكرانيا من الأسلحة والنشاطات العسكرية في الـ24 من شباط الماضي.
من جهتها، استنكرت فنزويلا مجدّداً العقوبات الغربية ضد روسيا ووصفتها بأنها غير قانونية وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة.
وفي تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية قال وزير الخارجية الفنزويلي فيليكس بلاسينثيا: “لقد تعرّضنا لإجراءات أحادية الجانب ضد شعبنا وندينها في كل مكان، ونحن اليوم نرفع صوتنا ضد فرض عقوبات على الشعب والحكومة في روسيا”.
وجدّد وزير الخارجية الفنزويلي معارضة بلاده اقتراب الكتلة العسكرية لحلف ناتو من حدود روسيا، قائلاً: إن هذا بحدّ ذاته يعدّ عدواناً.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي قرّرت الأسبوع الفائت فرض عقوبات جديدة على روسيا وبيلاروس على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية دونباس.