الجريمة والعقاب
أحمد حسن
مع دخول الأزمة السورية عاماً جديداً من أعوام سنواتها العجاف في ظل تغيرات إقليمية ودولية غير مسبوقة في أبعادها وآثارها وارتداداتها، السياسية والاقتصادية، المتوقعة والمتوخاة، تحاول واشنطن الاستفادة من هذا الأمر لتعميق الأزمة السورية، اقتصادياً بالدرجة الأولى، في سياق هدف الإركاع والاستتباع المعروف.
ففي مقايضة فاجرة بين سارقَين، خرجت، لمرة جديدة، وعلناً، قوافل النفط والقمح المنهوبة من شمال شرق سورية محمّلة على عربات المحتّل الأمريكي ومحميّة، للأسف الشديد، بأيد تسمي نفسها سورية، في تخادم فاضح بين لصين، يسعى أحدهما للضغط على البلد، موحّداً أو مقسّماً، واستخدامه في سياق أطماع تتعلق بدوره العالمي، كما بأمن محميته الأولى “إسرائيل”، ويأمل الآخر أن يساعده المحتّل في تثبيت ما يحاول سرقته من جغرافيا واقتصاد السوريين لصالح مطامح وأوهام ثبت بالدليل القاطع أنها، ووعود المحتّل أيضاً، ليست إلا افتئات بيّن على تاريخ وجغرافيا واجتماع بشري لم يكونوا فيه إلا جزءاً كريماً مثل سائر أجزاءه الأخرى، لكنهم لم يكونوا يوماً أصحابه الوحيدين والحصريين.
والحال فإن هذه القوافل المنهوبة علناً، مضافة إلى العقوبات الاقتصادية الجائرة – وهي سلاح إبادة شامل – تكذّب كل ادعاءات واشنطن بحرصها وخوفها على الشعب السوري ووحدة أراضيه وسلامتها، فيما ادعائها بمحاولة حلّ أزمته سلمياً لا يحتاج لتكذيب في ظل سوابقها، المستمرة، سواء في دعم قطعان المجاميع الإرهابية التكفيرية وتأمين تمويلها وتسليحها وإطلاقها لتستبيح الأرض السورية تحت تسمية “مقاتلي الحرية”، أو – وبعدما اتضحت قدرة الدولة السورية على مواجهة هذه القطعان الإرهابية – بدعم أتباعها الانفصاليين عبر كافة الوسائل المتوفرة لديها، وآخرها ما يتسرب عن إمكانية استثنائهم من عقوبات قانون “قيصر”، وهذا أمر لا يمكن توصيفه في هذه اللحظة المأزومة عالمياً إلا بوصفه “محاولة للهروب إلى الأمام من استحقاقات إيجاد حل مستدام للأزمة السورية يضمن وحدة أراضيها وإحلال الأمن والاستقرار فيها”.
وبالطبع، فإن النهب ودعم الانفصاليين يشكلان جريمة موصوفة تضيفها واشنطن إلى سلسلة جرائمها التي ارتكبتها وترتكبها يومياً ضد الشعب السوري، وكي لا ننسى، يجدر بنا التذكير بأن الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” قام، بواسطة مروحيات الـ”أباتشي” بإحراق حقول قمح في سورية خدمة لسياسته المبنيّة على معادلة واضحة: “التجويع للتركيع”، ومثله فعل المحتّل الآخر “أردوغان”، وإن كان عبر مرتزقته هذه المرة، بإحراق محاصيل زراعية أخرى في الشمال السوري. وإذا كان صحيحاً أن هذا الأخير قام بذلك لحسابه الخاص، وهو لص حلب الشهير، إلا أن دوره الوظيفي ومكانته كتابع، تسمح لنا بالقول إنه، كان أيضاً، يقدم لسيده الأمريكي أوراق اعتماد جديدة، ويقول له نحن معك في تجويع الشعب السوري.
إنه الإرهاب بوجهه الاقتصادي الفاجر، خاصة في هذه اللحظة التي ترتفع فيها أسعار النفط والغذاء إلى ذروتها على خلفية ما يحدث في أوكرانيا اليوم، وهو إرهاب يساهم في إدامته صمت العالم، أو إغماض عينه “الكليلة” عنه، وبالطبع ضعفه وقلة حيلته حياله، حتى أن الأمم المتحدة، التي لا تجرؤ طبعاً على مجرد التنديد، لم تعد تشعر “بالقلق”، وهو أضعف الإيمان، من هذا السطو العلني على مقدرات عيش شعب يعاني أمام أنظار أمينها العام ولجانه ومنظماته الإنسانية منذ سنوات طويلة.
لكن الشعب السوري، والذي يعرف بلحمه الحيّ أن إرث ملك القلق الشهير “بان كي مون”، لا يُعوّل عليه، يعرف أيضاً أن ما يُعوّل عليه واضح للغاية: إحراق الأرض تحت أقدام المحتّل، وإذا كانت “البيئة” العالمية السابقة لم تسمح بذلك لاعتبارات لا تحتاج إلى شرح، فإن ما يحدث اليوم في العالم، وفي الإقليم، يشي بإمكانية “الفعل”، وهذه مهمة كل سوري وطني كي لا تبقى الجريمة دون عقاب.