المرأة في مواجهة الغزو الثّقافي
للمرأة الأيّام كلّها على مدار السّنة، وإنّ كان لابدّ من تخصيص يوم للاحتفال بها والاحتفاء بعطاءاتها التي لا تنتهي والتي هي أوّلاً وآخراً سند ومكمّل للرّجل ولا تقوم الحياة من دونهما، لابدّ من الوقوف عند معطيات ومحطّات متجذّرة في تاريخنا العربي، وإن كانت الحروب والظّروف أقوى في بعض المراحل لكن تبقى هناك محطّات ثابتة لا تتزعزع، ومنها الدّور المهم الذي تلعبه في مواجهة الغزو الثّقافي بوجوهه المتعددة الظّاهرة والمخفية على مدار تاريخنا، وهو الدّور المنوط بها منذ حملها وولادتها ودخول أبنائها رياض الأطفال والمدرسة، مسيرة تتلقف فيها الأنثى آلاف الأطفال وتعلّمهم وتربيهم وتثقّفهم، كيف لا وهي التي بطبيعتها قادرة على منحهم الطّمأنينة والأمان والتّشجيع اللازم. تقول ميسون رستم رئيسة دائرة الرّقابة والتّفتيش في مديرية تربية دمشق: لعبت المرأة دوراً محورياً في نهضة المجتمعات وأثبتت قدرتها على التّغيير الإيجابي فيها وذلك بإصرارها على الوقوف بجانب الرّجل، لقد عرّف الدستور المرأة بأنّها كلّ سيّدة أو فتاة سورية تتمتع بالحقوق التي يتمتّع بها الرّجل ونصّت المادة الثّالثة والعشرون من الدّستور على توفير الدّولة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة في الحياة السّياسية والثّقافية والاجتماعية وإزالة القيود التي تحول دون ذلك.
وخلال مشاركتها في النّدوة التي أقيمت في المركز الثّقافي بـ”أبو رمانة” حول دور المرأة في مواجهة الغزو الثّقافي التي يديرها الزّميل محمد خالد الخضر، اطلعت رستم الحضور على نسبة حضور ومشاركة المرأة في المديرية، وهي بحسب الإحصائيات تفوق نسبة الذّكور، سواء في رياض الأطفال أم التعليم الأساسي أم الثّانوي أم الجامعي، تقول: المرأة هي الأقرب للأبناء في العملية التّعليمية، وفي ظلّ الحرب برز دورها في مجالات أخرى، فكانت المراسلة الحربية والمقاتلة في الجبهات والعين السّاهرة لمداواة الجرحى وإعداد الطّعام لأفراد الجيش العربي السّوري وكانت قدوة في العطاء اللامحدود، فقدمت فلذات كبدها شهداء في سبيل أن يحيا الوطن، مؤكدةً: الغزو الثّقافي أمر واقع يفرضه علينا الانفتاح، وصارت آثار الحرب تخلق إشكاليات لم ينتبه لها المجتمع وانساق البعض وراء أفكار هدّامة بل وساهم بترويجها من دون وعي، لذلك أقول إنّ التّربية السّليمة والاطّلاع على مختلف الثّقافات بوعي تعطي الإنسان القدرة على اختيار ما يناسب قيمه وأخلاقه، ما ينعكس على المرأة أيضاً ويحول دون تأثّرها بالغرب، وهذا طبعاً مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمؤسسة التّعليمية التي عليها أن تعزز في نفوس الطّلبة هويتهم وثقافتهم وفي الوقت ذاته منحهم مساحة للتّعبير عن أفكارهم بالشّكل الصّحيح.
بدورها، أعادت الدّكتورة رولا صيداوي رئيسة الجمعية العلمية التّاريخية، فرع دمشق، السّؤال الذي شغل الكثير من المفكرين والباحثين وهو: ما هو دور العامل الثّقافي في تقدّم المجتمعات؟ وما هي نسبة مساهمته في تحقيق ذلك؟ توضّح: العامل الثّقافي يعني ما يقابل العوامل الأخرى المال والصّناعة، وإن قلنا إن نسبة تأثيره 75% لن نبالغ في ذلك، لأنّ الوصول إلى حالة من الإنتاج والتّطوير بحاجة للعمل والعلم والسّعي والتّضامن، ولأنّه ضمانة حقيقة لبقية العوامل، فقد كان سبباً في سقوط حضارات وزوالها، ومن خلال تدمير المرأة كان الغزو الثّقافي والقضاء على هويتها الوطنية، وذلك بتدمير علاقتها بأبنائها واستغلالها تحت شعار المساواة مع الرّجل حتّى صارت أسرتها في حالة تفكّك تامّ، لذلك علينا كنساء أن نؤمن بوجود هذا الغزو وضرورة مواجهته بدعم ثقافتنا وهويتنا وبالعلم والتّحلّي بالوعي واليقظة تجاه هذا الانحراف المعنوي الخطر، وتمتين العوامل الاجتماعية الصّادقة التي تساهم في نشر الأهداف السّامية التي تتوّج بالعزم والإرادة على العمل والتّعاون والمشترك وحبّ الانتماء للوطن.
وكما خاضت المرأة السّورية غمار الحرب وعانت تبعاتها وقدّمت الغالي في سبيل أن يحيا الوطن في الماضي والحاضر، كذلك كانت رفيقتها الفلسطينية، محاربةً على كلّ الصّعد، تقول زهرة سعيد مسؤولة منظمة المرأة التقدمية الفلسطينية في الجبهة الشعبية- القيادة العامّة: الهيمنة الاستعمارية التي فتكت بالوطن العربي كانت مثالاً للغزو الثّقافي على مرّ الأزمان، حيث فرض الاستعمار والاحتلال لغته وثقافته وحاول تهميش لغتنا وثقافتنا لأنّها الوعاء الفكري الذي يشكّل هويتنا، وهذا ما يشرح لنا سبب الغربة التي يعيشها البعض والضّياع بين الحفاظ على لغته وثقافته وبين تقليد الغرب، مؤكّدة: الغزو الثّقافي سلاح قديم ولازم الغزو العسكري واعتمد على الكلمة لهدم الثّوابت والقيم، وشأنه شأن أي سلاح يخضع للتّطوير لزيادة فعاليته بما يتناسب والزّمان والمكان، كذلك فعل الغزو الثّقافي الصّهيوني الذي هدف أوّلاً إلى سلب الأمّة مكوّناتها وثقافتها من خلال الكتب ووضع خارطة جديدة للمنطقة والتّرويج لمقولة أنّ أرض فلسطين لهم، وأنّها كانت بلا شعب والسّعي إلى تهجير شعبها بكلّ الوسائل وطمس هويته، ولاسيّما في القدس وتحطيم معنويات الجيل النّاشئ وتشويه وعيه وتفريغه ثقافياً، لذلك قاومنا وكان للمرأة الفلسطينية دورها النّضالي فسجلت اسمها بحروف من ذهب على صفحات التّاريخ، ومنذ ما قبل النّكبة شاركت في العمل النّضالي وأهمّه مقاومة الغزو الثّقافي من خلال المشاركة في الثّورة الفلسطينية، فكانت الأسيرة والشّهيدة والمعتقلة ومن خلال التّأكيد على الانتماء والحفاظ على الهوية الوطنية والذّاكرة التي تهتمّ بالتّفاصيل والأحداث والموروث الثّقافي ودوره في تنمية المجتمع لأنّها تمتلك المقوّمات الفكرية التي تستطيع من خلالها التّعبير عن القضايا التي تشغلها ودحض الرّواية الصّهيونية، إضافةً إلى ذلك حافظت على الحكاية والتّاريخ الشّفوي الذي نقلته إلى أبنائها للوقوف في وجه العدو الذي يحاول أيضاً طمس معالم المكان من خلال تدمير القرى، وفي الفنّ أتقنت المرأة الفلسطينية الحياكة والتّطريز، وبه استطاعت توثيق التّراث والحفاظ عليه ولاسيّما رموزه بما فيها الكوفية.
الاهتمام بتربية الأبناء وتثقيفهم والإفادة من الإعلام وتكثيف البرامج التّوثيقية والمضادة وتكاتف المؤسّسات جميعها والتّعاضد فيما بينها والاهتمام بالدّراسات والأبحاث والكشف عن جرائم العدو الصّهيوني بالأرقام وحماية التّراث المادي واللامادي ورعاية الأدب والفنّ، سبل وطرائق أكّدتها السّيدات لتعزيز جبهة مواجهتنا للغزو الثّقافي كنساء على وجه الخصوص.
نجوى صليبه