إعادة تدوير الملابس.. عمل أسري لتخفيف العبء المادي واستثمار مهني ناجح؟!
دمشق- البعث
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، تلجأ الأسرة للعديد من الأساليب والطرق المعيشية التي من شأنها التخفيف من الأعباء المادية، والحفاظ على التوازن المعيشي والاقتصادي الذي يتعرّض لصفعات قوية أدت إلى دخول الوضع المادي الأسري إلى ما يمكن أن نسميها “المرحلة الحرجة” بشكل فرض إلزامية البحث عن أفكار جديدة تسهم في انتشال اليوميات من الحاجة والعوز، ومن تلك الأفكار والأساليب عادة تدوير الأشياء واستخدامها من جديد بشكل مختلف، خاصة الألبسة التي باتت خارج القدرة الشرائية للناس، وبما يتناسب مع وضع الأسر، وفي المقابل أتاحت فكرة إعادة تدوير الملابس المزيد من فرص العمل، فقد حفزت العاملين في مجال التصاميم والخياطة للتوجه إلى إعادة تدوير الملابس بطرق إبداعية، فحوّلوا الثياب القديمة وجعلوها مواكبة للعصر وفق آخر طراز، وصنعوا منها موديلات حديثة استقطبت الزبائن الذين وجدوا فيها غايتهم من حيث الموديل والأسعار.
منير “خياط” أخبرنا وهو يجز بمقصه الحاد إحدى الكنزات النسائية ليصنع منها موديلاً جديداً أنه في بداياته المهنية استهوته فكرة تغيير موديلات الألبسة القديمة التي كان يتدرب على خياطتها، حيث كان الخياط الذي يتولى تعليمه “الصنعة” يدربه على الملابس القديمة كوسيلة للتدريب على الخياطة واستحداث تصاميم جديدة، وبعد فترة من التدريب واكتساب الخبرة بدأت هذه التصاميم تنال آنذاك الإعجاب من الزبائن، حيث كانت تثير انتباههم وتحفزهم للسؤال عنها بشكل دفعه للعمل أكثر في هذا المجال، بحيث أصبح يقوم بتصميم موديلات مختلفة بمساعدة هذه الملابس، وأخذت تصاميمه تنتشر في حارته بتشجيع من رفاقه وأقربائه، وبدأ بتسويق هذه المنتجات بأسعار مناسبة لواقع بيئته الشعبية، وكانت عائداتها جيدة قياساً لتكاليفها التي تعد ضئيلة بالنسبة لما هو موجود الآن في الأسواق.
حالة مستحدثة
أما شهد، وهي من اللواتي يشاركن في بازارات الأعمال المختصة ببيع الملابس والاكسسوارات في مختلف المحافظات، فأكدت أن إعادة تدوير الملابس القديمة وجعلها مواكبة للموضة حالة مستحدثة بدأت بالانتشار بشكل متسارع، ومن خلال خبرتها رأت أن هذه الحالة إذا استمرت على ما هي عليه من إقبال فستكون ظاهرة لها عدة إيجابيات، أهمها السعر، ومواكبة العصر، والرغبة الشبابية باقتنائها، وهي محددات التسويق الذي تطمح له أية مؤسسة، ولكن في هذه الحالة فإن الأمر يقتصر على بعض الجهود الذاتية لمصممين ومصممات أرادوا أن يضعوا بصمتهم في هذا المجال، ولكن لا يمكن إغفال مجموعة من السلبيات التي تتجلى بعدم رغبة الشريحة الواسعة باقتناء هذه الملابس لعدة أسباب، أهمها أنهم لا يريدون اقتناء أشياء مستعملة، وعدم إيمانهم بالموديلات التي تم إنجازها رغم حداثتها، والسبب الأهم عدم ظهورهم بمظهر مقتني الأشياء المستعملة نظراً للطبقات الاجتماعية التي يمثّلونها .
الكثير من أصحاب محلات “البالة” أكدوا أن أعمالهم التجارية تأثرت في الفترة الماضية، وباتت مبيعاتهم قليلة مقارنة بالفترات الماضية، عدا عن قلة الألبسة المتوفرة، وذلك لعدة أسباب، سواء كورونا أو ظروف الحصار .
بدوره فرج، وهو تاجر ألبسة مستعملة “بالة”، أكد أنه يلجأ أحياناً إلى بعض العاملين في تدوير الملابس لتغيير الموديلات الكاسدة لديه، وهذا ما ساعده على تسويق كميات كبيرة، خاصة الألبسة النسائية، وخلال تواجدنا في محل فرج لفتت انتباهنا بعض النسوة اللواتي كن يبحثن عن الموديلات القديمة والقياسات الكبيرة، ولدى سؤالهن عن الأسباب، أكدن أنهن يعملن على تدوير هذه الملابس وإحداث تغييرات في تصاميمها بما يتماشى مع الموضة، وبالتالي تصبح أكثر قبولاً من الزبائن.
من الأخطاء الشائعة إدراج إعادة تدوير الملابس في خانة الحاجة والعوز وضعف القدرة الشرائية فقط دون الانتباه إلى الحالة الإبداعية التي تستثمر بالمواد المتوفرة، وتصنع منها منتجات ذات مواصفات تسويقية تضاهي الموديلات الحديثة والرائجة، وهذا بحد ذاته يشكّل عملاً صناعياً جامعاً ما بين الفن والمهنة .
بالمحصلة، في هذه الظروف الاستثنائية، لابد من العمل على دعم الاقتصاد الأسري، وتخفيف الأعباء المعيشية من خلال تقديم التسهيلات والتمويل للأفكار الجديدة والابتكارات التي تولّد دخلاً لآلاف الأسر، وفرص عمل، ومن ثم منتجاً يسد الثغرات الموجودة في الأسواق، ويكافح في الوقت ذاته الغلاء وجشع التجار.