مجلة البعث الأسبوعية

تأثيره غير مباشر على الأسواق السورية والمطلوب السيطرة على سعر الصرف الهواجس تكتنف اقتصادات العالم بغد رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة

 البعث الأسبوعية – حسن النابلسي

يأتي قرار رفع أسعار الفائدة مؤخراً من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكيبمقدار 25 نقطة أساس لأول مرة منذ نهاية 2018، في وقتتعاني فيه غالبية الدول العربية غير النفطية “عموماً”، من ضغوطات وضربات بدأت قبل عامين، مع تفشي جائحة كورونا، فاقمتها ضربة ارتفاع أسعار المستهلك منذ الربع الأخير 2021، وتعاني سورية “خصوصاً”، إضافة إلى ما سبق من أزمة تعدت العقد من الزمن، وإذا ما علمنا أن رفع الفائدة هو أحد عوامل الضغط خارج سيطرة راسمي السياسات النقدية والمالية للدول العربية، بحكم اعتماد الدولار عملة رئيسة ثانية إلى جانب العملات المحلية، فإن هذه الدول باتت تخشى من تأثيرات سلبية على اقتصاداتها..!

تأثير بسيط

للحديث أكثر عن تأثر الاقتصادات العالمية بهذا القرار سنعرض وجهات نظر عدد من خبراء الاقتصاد، والبداية مع الاقتصاد السوري، وهنا يبين الخبير المصرفي قاسم زيتون لـ”البعث الأسبوعية” أن رفع سعر الفائدة الامريكية على الدولار يؤثر من حيث المبدأ على الأسواق العالمية، وخاصة لناحية ارتفاع الأسعار، وكذلك في أسواق الأسهم، إلا أنه قليل التأثير على الاقتصادات الناشئة أو المتعثرة عموماً.

وفيما يتعلق بالحالة السورية أكد زيتون أن تأثيره على الأسعار بسيط جداً لعدم ارتباط الاقتصاد السوري بالاقتصاد الامريكي تصديراً واستيراداً، لكن هذا الرفع يؤثر بشكل غير مباشر على الأسعار ارتفاعاً من خلال تأثيره على سعر الصرف، خاصة وأن المستوردات السورية تعتمد بشكل أساسي على الدولار، وبالتالي سيزيد الطلب على الدولار ما يؤدي الى انخفاض قيمة الليرة السورية، وبالتالي زيادة عامل آخر على ارتفاع الأسعار، لكن هذا العامل لا يقارن بالعوامل الأخرى المؤدية لارتفاع الأسعار الناتجة عن الحرب الأوكرانية وانعكاس ذلك على ارتفاع تكاليف النقل بسبب ارتفاع أسعار النفط والارتفاع الكبير في مبالغ التأمين على السفن والبضائع، إضافة الى شح المواد على المستوى العالمي وخاصة المواد الغذائية على اعتبار منطقة الصراع الحالية رافد مهم للغذاء العالمي.

إذاً -وحسب زيتون- لا تأثير كبير لرفع سعر الفائدة على السوق السورية إلا ما نتج عن ارتفاع سعر الصرف، وتنخفض نسبة التأثير كلما برزت قدرة المصرف المركزي على التحكم ما أمكن بسعر الصرف، معتبراً أن هذا الأمر ما يزال تحت السيطرة ولن يكون هناك ارتفاعات كبيرة، وستبقى محدودة ضمن الحدود التي يجعل تأثيرها على ارتفاع الاسعار محدوداً، اما لناحية التأثير في أسعار الأسهم فلا تأثير لرفع سعر الفائدة على سوق الأسهم لأن التداول لدينا في حدوده الدنيا أساساً.

بين الإيجاب والسلب

أما المصرفي الدكتور علي محمد، فقد أوضح أن أي ارتفاع بأسعار الفائدة ينعكس إيجاباً على بعض القطاعات، وسلباً على قطاعات أخرى، مشيراً لـ”البعث الأسبوعية” إلى أن رفع سعر الفائدة في كل الدول هو وسيلة لرفع الادخار من ناحية، وممكن أن يؤدي إلى زيادة قوة العملة من ناحية أخرى، لكن في المقابل يؤدي بشكل أو بآخر إلى تخفيض الاستثمار خاصة عندما يكون سعر الفائدة مجدياً أكثر من المعدل العام للاستثمار، وبالتالي فإن تخفيض الاستثمار يعني انخفاض الأسواق المالية.

بالنسبة للولايات المتحدة تحديداً بين محمد أن الدين الحكومي هو دين كبير جداً، وربما تخطى الـ28.5 أو ربما أنه وصل إلى 30 تريليون دولار، وهذا الدين بجله ممول عبر سندات الخزانة الأمريكية، وهذه السندات يتم تداولها في الأسواق المالية، ويتم تداولها من قبل أفراد من حاملي الجنسية الأمريكية، إضافة إلى دول في مقدمتها الصين واليابان، فأكثر من ثلث حملة السندات الأمريكية هم من الصين واليابان.

وأكد محمد أن رفع سعر الفائدة يؤدي إلى تخفيض قيمة السندات، فإذا افترضنا –مثلاً- أن سعر السند 1000 دولارباستحقاق 10 سنوات والفائدة 10%، يعني كل سنة يربح السند 100 دولار على مدة استحقاق هذا السند، وبالتالي في حال رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بنقطة واحدة، أصبح سعر الفائدة 11 نقطة، وأصدر سندات جديدة بناء على هذه الفائدة الجديدة، يصبح السند الجديد الذي قيمته 1000 دولار بفائدة 11 أصبح يربح 110 دولار سنوياً، وأصبح هذا السند أفضل السند المملوك سابقاً ذو الفائدة 10، عندها حملة هذا السند عندما يريدون بيعه، يضطرون لكسر سعره إلى 980 أو 970 دولار.

إجراءات صارمة

لا يتوقف الأمر على الاكتفاء برفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، بل إن المخاوف ازدادت بعد تعهد رئيس الفدرالي جيروم باول، باتخاذ إجراءات صارمة بشأن التضخم، والذي قال إنه يعرض الانتعاش الاقتصادي للخطر، وجاء تعهد باولبعد أقل من أسبوع من رفع الفدرالي أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات في محاولة لمكافحة التضخم الذي يسجل أعلى مستوى له منذ 40 عاماً، وأكد باول الموقف الذي اتخذته اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في بيانها بعد الاجتماع، وقال: إن رفع أسعار الفائدة سيستمر حتى يصبح التضخم تحت السيطرة، وأضاف أن رفع أسعار الفائدة قد تكون أعلى إذا لزم الأمر.

وعلى وقع تأكيدات مسؤولي اللجنة الفدرالية أنه من المحتمل زيادة 25 نقطة أساس في كل اجتماع من اجتماعاتهم الستة المتبقية هذا العام، يأتي التشديد المفاجئ للسياسة النقدية من جانب الفدرالي الأميركي، بعد ارتفاع مؤشر التضخم المقياس الذي يفضله بنك الفدرالي بنسبة 5.2%، وهو أعلى بكثير من هدف الفدرالي الأميركي البالغ 2%.

وعزا باول الكثير من الضغوط الناتجة عن عوامل خاصة بالوباء، ولا سيما الطلب المتزايد على السلع والتي لا يمكن أن يلبيها العرض،  إنه سيزيد أسعار الفائدة بشكل أكبر إن لم تستجب نسب التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة، لقراراته.

تكرار الاضطرابات

تأتي هذه الضغوط، بينما تواجه معظم الاقتصادات العربية المستهلكة للنفط تباطؤا في وتيرة التعافي الاقتصادي أكبر، مما تواجه الاقتصادات المتقدمة، ووفق مدونة لصندوق النقد الدولي، فإن ما يُخشى حدوثه الآن، هو أن تتكرر نوبة الاضطراب التي وقعت في 2013، حين أدت مؤشرات مبكرة للتراجع عن عمليات شراء السندات الأمريكية، إلى اندفاع تدفقات رأس المال إلى خارج الأسواق الصاعدة.

تعتبر مصر حتى اليوم، إحدى البلدان الجاذبة للاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين، فيما رفع الفائدة الأمريكية وارتفاع عوائد السندات، قد يكثف من تخارج هذه الاستثمارات، ما قد يجبر البنك المركزي على رفع أسعار الفائدة، ويعقد المركزي المصري اجتماع لجنة سياسته النقدية في 24 آذار الجاري، وسط توقعات برفع أسعار الفائدة فوق 10% لأول مرة منذ عام 2017.

إن ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، إذا كان مدفوعا بتوقع إجراءات أكثر تشددا من جانب البنوك المركزية، فمن شأنه أن يلحق الضرر باقتصادات الأسواق الصاعدة ومنها الاقتصادات العربية، والخطوة المتوقعة خلال الفترة القريبة المقبلة، هو تزايد تخارج الأموال الساخنة في أدوات الدين، لدى الاقتصادات العربية إلى الأسواق المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة.

تبعات مباشرة

تتحدث بعض التقارير الإعلامية عن أن التبعات المباشرة للقرار الأمريكي برفع أسعار الفائدة، تتمثل في زيادة كلفة الاقتراض في الأسواق العربية، ما يعني تراجع فرص الاستثمار، وتراجع الاستهلاك، والنتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل نسبي، وقال خبراء اقتصاديون: إن قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) برفع سعر الفائدة الأساسي ستؤدي إلى آثار سلبية على الدول الخليجية التي تربط عملاتها بالدولار.وأضافوا أن من بين التأثيرات خفض السيولة في الأسواق المالية الخليجية، والضغط على أسعار الأسهم والسلع والعقارات، علاوة على رفع تكلفة الاقتراض للأفراد والشركات.

وفي خطوة مماثلة نفذت خمسة بنوك مركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي: السعودية، الإمارات، الكويت، قطر والبحرين، رفعاً فورياً لأسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية، في أعقاب قرار المركزي الأمريكي، فيما لم يعلن البنك المركزي العماني أية قرارات جديدة حول أسعار الفائدة.

وتربط الدول الخليجية، عملاتها بالدولار الأمريكي مما يحد من فرص تلك الدول في التمتع بسياسات نقدية مستقلة.وحافظت خمس من دول مجلس التعاون الخليجي، على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي لعقود، فيما ظلت الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تربط عملتها بسلة من العملات.

وعلق بعض الاقتصاديين على تجاوب دول الخليج مع قرار الاحتياطي الفيدرالي، بقولهم: إن إقدام البنوك المركزية الخليجية بخطوات مماثلة لرفع الفائدة، يأتي في إطار ربط عملتها بالدولار الأميركي، وهذه ليست المرة الأولى، دائماً ما تقوم البنوك المركزية بذلك، مشيرين إلى أن سلطنة عٌمان قد تكون الدولة المستثناة من قرار رفع الفائدة باعتبارها الوحيدة التي لم تقم بتلك الخطوة في المرة السابقة، إذ ترى عُمان أن دورة الاقتصاد في الولايات المتحدة مختلفة عن دورة اقتصادها المحلي.

ليس جيداً

ولم يخف خبراء الاقتصاد أن الزيادة في أسعار الفائدة لا يعد أمراً جيداً، خاصة وأنها تتزامن مع استمرار معاناة دول المنطقة من تباطؤ الأنشطة الاقتصادية بسبب تراجع العوائد النفطية، متوقعين أن تواجه المصارف المركزية الخليجية، صعوبات أكبر للحفاظ على سياسة ربط عملاتها بالدولار، في ظل استعدادات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة في الأشهر القادمة.

في المقابل هناك من يرى أن التأثير لن يكون كبيراً على الاقتصادات الخليجية مع زيادة أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية، لكن مع استمرار رفع الفائدة الأمريكية تدريجياً في المرات المقبلة، سيحتم ذلك على دول المنطقة أن تسلك نفس المسلك، ما قد يؤدي إلى انسحاب السيولة من الأسواق المالية إلى الاستثمار في الودائع المصرفية، في ظل عائد أفضل ونسبة مخاطرة معدومة، مع الإشارة إلى أن اتجاه البنوك الخليجية لرفع الفائدة مثل الفيدرالي الأميركي، قد يؤدي إلى مزيد من نقص السيولة في القطاع المصرفي، ولاسيما أن معظم البنوك الخليجية تعاني من نقص السيولة، وتزايد القروض.

وهناك من يرى أيضاً، أن قيام دول الخليج برفع الفائدة في أعقاب قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي، أمر طبيعي لا سيما وأن درجة الترابط بين السياسة النقدية الأمريكية، وسياسات الدول المثبتة لعملتها بالدولار تزيد إلى حد التطابق، وبالتالي يتوقع أن يكون هناك تأثيراً سريعاًلرفع الفائدةعلى البنوك الخليجية، حيث سترتفع تكلفة الاقراض للأفراد والمؤسسات، الأمر الذي يزيد من صعوبة وتكلفة التمويل، كما أن تأثير رفع الفائدة سيضغط على نتائج أعمال البنوك، التي تأثرت سلباً بظروف تراجع السيولة في الآونة الأخيرة، نتيجة انخفاض الودائع الحكومية بسبب انخفاض أسعار النفط قبل أن تعاود الارتفاع على خلفية الأزمة الأوكرانية.