دروس يجب ألّا تُنسى
د. عبد اللطيف عمران
لطالما طرح ويطرح الرئيس الأسد الأسئلة التي يتعيّن على كل فرد ومجتمع وأمّة أن يطرحها على نفسه في المنعطفات والمفاصل التاريخيّة، وفي التحوّلات الكبرى عندما يدلهمّ الأفق وتعظم الخطوب، فهنا، وفي هذه المرحلة بالذات، يغدو الحفاظ على الوطن مهمةً تمتدّ على أكثر من جيل، ويصبح التواصل بين الأجيال وتناقل الوعي والخبرة، والتمسّك بالهوية وتعزيزها فعلَ مقاومة وصمود في مواجهة مشاريع الإلحاق والتغريب والإلغاء التي لم تستهدف سورية دوراً وموقفاً وحضوراً فحسب، بل، محوها من الوجود كخارطة وككيان سياسي وكفكرة أيضاً.
في ظروف مثل الظروف التي تعيشها شعوب العالم اليوم، وبخاصّة في هذه المنطقة، يحتاج الإنسان، والمجتمع، والمؤسّسات، والدولة إلى قراءة صحيحة ومُجدية للواقع الخاص والعام، قراءة تنطلق أوّلاً من (القدرة على التحليل)، فدروس الحرب على سورية يجب ألّا تُنسى، وهي تؤكّد أنّ العالم اليوم لا يسير باتجاه الاستقرار، فالغرب الاستعماري لم يتغيّر تاريخه حتى اليوم، وها هو يستفيد من تفكّك الاتحاد السوفييتي السابق ليجعل العالم عبارة عن غابة، اللصوص فيها وقطاع الطرق هم (الغرب)، هذا الغرب الذي أصبح أكثر تمرّساً في الكذب والخداع ولبس الأقنعة وها هي الوقائع مع الحرب على سورية، والحرب الأوكرانية تدفعه لينزع ما تبقّى من أقنعته ليصبح عارياً أمام جمهوره، وأمام شعوب العالم أيضاً.
هذه الظروف، وتلك الوقائع شديدة الوطأة، تكاد ترخي بظلالها الكئيبة والأليمة على أغلب شعوب الأرض، فلا يمكن مواجهتها بالتمنّيات والأحلام، ولا بالتسليم والاستسلام، بل (تحتاج إلى آراء ناضجة وليست طفولية، آراء متجدّدة مبدعة وليست تقليديّة) و(إلى مجتمع قادر على قراءة المخطّطات، وعلى تفكيك شيفرات المؤامرات بشكل استباقي).
في هذا السياق تخيّر السيد الرئيس بشّار الأسد مناسبة متميّزة ومهمّة، على تعداد المناسبات المتميّزة والمهمّة وطنيّاً وإنسانيّاً في آذار ونيسان، ليقدّم في مضمارها الرحيب قراءة للإشكاليّات الراهنة العديدة والمتنوّعة ليست مشفوعة بسرديّة منطقيّة وتحليليّة فحسب، بل وتزخر بالحلول والطرق الصحيحة المجدية القابلة للتنفيذ لتجاوز الآثار القاسية لهذه الإشكاليّات.
اختار السيد الرئيس مناسبة عيد المعلم، وبحضور متنوّع ومحترم للعاملين في ميدان التربية. لكن ليوجّه نصّاً تاريخيّاً مفتوحاً على الحياة العامة في المنطقة والعالم، دلالاته ومضموناته أوسع من حقل التربية والتعليم، لكن الرسالة من المُرسل إلى المُرسَل إليهم لا يمكن أن تؤدي وظيفتها بالشكل الأمثل إلّا عن طريق هكذا حامل.
وهكذا انطلقت الكلمة، الرسالة على تنوّع موضوعاتها، في سياق من المشافهة والتقريريّة والوضوح والترابط أيضاً، ومن توطيد الصلات بين التربوي، والعلمي، والوطني (فالمعلم هو مربٍّ أولاً، والعلم من دون وطنيّة يؤدي إلى دمار الوطن).
لذلك استدعى المنطق التربوي عرضَ كثير من الحقائق التي يجب أن ينهض بها المجتمع الوطني السوري في السّياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، على اعتبار أن (التربية هي أهمّ عنصر من عناصر تشكيل الوعي، فهل نظامنا التعليمي يستطيع أن يحمي تلك الأجيال الصاعدة من السقوط الفكري والنفسي، ولاحقاً السقوط الاجتماعي، ومعه الوطني؟)، ليأتي الجواب عن طريق ضرورة نهوض منظومة التربية والتعليم بواجبها في عملية تأسيس الوعي التي هي اليوم أصعب وأكثر تعقيداً مّما سبق بسبب الفضائيّات والانترنت وتنوّع وسائل التواصل الاجتماعي، مع مخاطر ماثلة أمام غزو عقول الأجيال تتلخّص في أنّ (كثافة المعلومات التي تقدّمها هذه الوسائل لا تعطي وقتاً للتحليل).
والحقيقة، فالكلمة تلزم من يقرؤها ويكتب فيها أن يرتضي بطواعية وموضوعيّة أن يكون أسيرَ تكرار العودة إليها واقتباس غير قليل منها كمقولات ساطعة، إذ هي ليست درساً واحداً في حقل واحد، بل هي دروس لا تصدر بقيمها وبحقولها الدلاليّة الواسعة إلّا عن معلّم حقاً كبير.
وهي حين أتت في عيد المعلم فإنها بمثابة إشارة البدء بعملية الإعمار من حلقاتها الأساسيّة، وتذكير للسوريين بدورهم ومنزلتهم وبرسالة التقدّم والريادة التي طالما حملوها عبر الحقب والعصور، وهي رسالة نهلت ولاتزال الإنسانية منها حتى وهم في أشد لحظات تاريخهم قساوة.
دروس جديرة بأن تدخل في مناهجنا ولاسيّما تلك: (النقاط التي سنبني عليها رؤيتنا المستقبليّة).