دراساتصحيفة البعث

رغم حجم الكارثة.. القطار يواصل المسير

هيفاء علي 

صَدم المصاب الجلل الناجم عن تحطم المروحية الرئاسية، واستشهاد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزیر الخارجیة حسين أمير عبد اللهيان، والوفد المرافق لهما، إيران والمنطقة والعالم أجمع. وقد أثار العديد من الأسئلة حول المستقبل السياسي في الجمهورية الإسلامية، التي سارع قائد الثورة فيها، آية الله علي خامنئي، لاتخاذ إجراءات لضمان ألّا تؤدّي الحادثة المفجعة، إلى الإضرار بالنظام والأمن والاستقرار السياسي في البلاد.

وعلى الفور أعلن خامنئي عن تعيين نائب الرئيس، محمد مخبر، لتولي المنصب الرئاسي مؤقتاً ريثما يتم إجراء الانتخابات الرئاسية، حيث أعطاه مهلة 50 يوماً لإجرائها، بينما اختار علي باقري كني، خلفاً للشهيد عبد اللهيان.

وبغضّ النظر عن السيرة الذاتية للرئيس الإيراني المؤقت، محمد مخبر، فإنّ كونه نائباً أول للرئيس الراحل، إبراهيم رئيسي، يعني أن فترة حكمه القصيرة مبدئياً، ما لم يصبح مرشحاً للانتخابات التي ستجرى بعد 50 يوماً، ستكون امتداداً لحكم الرئيس الراحل، بمعنى أن الغرض الدستوري من ترسيمها على هذا النحو هو أن تكون فترة حكمه مرحلة انتقالية، حتى تسلّم رئيس منتخب جديد. لكن نائب الرئيس، في دوره بهذه الصفة، أو دوره الأكثر حساسية بصفته رئيساً مؤقتاً، يتعيّن أن تتوفّر فيه مواصفات معيّنة وخبرات، وعادة ما يكون هناك ميل إلى أن يكون شخصية قادرة على الاضطلاع بمهمّات معينة ضمن مؤسسة الرئاسة، وأن يحظى بثقة مرشد الجمهورية والرئيس نفسه والبرلمان، باعتبار أنه ليس منتخباً من الشعب. ولأنه من اختيار الرئيس في المقام الأول، فهذا يساعد في تمرير المرحلة الانتقالية بأقل الإرباك الممكن، في بلد كإيران، يواجه حملة غربية شرسة، العنصر الأساسي فيها هو العقوبات المستمرة من دون توقّف منذ أربعة عقود ونصف عقد.

ومخبر المولود عام 1955 في مدينة دزفول شمال محافظة خوزستان، كان ضابطاً بارزاً في الحرس الثوري إبان الحرب العراقية -الإيرانية (1980 -1988)، كما تولّى إدارة دائرة الصحة في مسقط رأسه، لكن نجمه سطع بعد توليه رئاسة “لجنة تنفيذ أوامر الإمام الخميني”،  منذ 2007 حتى 2021، حين عيّنه رئيسي في الثامن من آب 2021 نائباً أوّل له. نشأ مخبر في أسرة متديّنة محافظة، وكان والده العلّامة عباس مخبر من كبار علماء الدين في مسقط رأسه، وهو متزوج وله ولدان: طيبة، ابنته البكر، وأخوها سجاد. انضمّ مخبر إلى إحدى المدارس الابتدائية في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى مدينة أهواز مركز محافظة خوزستان الغنية بالنفط، وأنهى فيها المرحلة الإعدادية، قبل أن يواصل دراساته الأكاديمية، ليحصل على شهادة البكالوريوس في هندسة الكهرباء، وشهادتَي الماجستير والدكتوراه في فرع الإدارة والتخطيط من “جامعة الشهيد بهشتي”، كما أنه حاصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في القانون الدولي.

أما على مستوى الوظائف والمسؤوليات، فقد تدرّج في بادئ الأمر في عدد من المناصب الحكومية في محافظة خوزستان، فكان المساعد التجاري لرئيس مؤسسة “المستضعفين”، ثم المدير العام لشركة الاتصالات في مدينة دزفول، قبل انتقاله إلى مدينة أهواز ليعمل معاوناً تنفيذياً ثم مديراً عاماً لشركة الاتصالات في المحافظة. وأُوكلت إليه رئاسة المجلس الإداري في “مصرف سينا” في القطاع الخاص، ولكنه لم يكن معروفاً على المستوى العام قبل أن يعيّنه المرشد عام 2007 رئيساً للجنة “تنفيذ أوامر الإمام الخميني” المعنية بإدارة الأموال والممتلكات المصادرة من نظام الشاه، محمد رضا بهلوي. تلك اللجنة أولت اهتماماً كبيراً لإعمار المناطق المحرومة وتنفيذ مشاريع تنموية فيها في عهد مخبر، وتوسّعت مهامها ونشطت في مجالات عدة، بما فيها قطاع الصحة، وعملت على أول مشروع لقاح محلي مضادّ لفيروس كورونا تحت عنوان “كوو إيران بركت”، وكانت ابنته طيبة أول المتطوعين لتلقي أول جرعة من اللقاح.

وهو عضو بارز في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وله عدة كتب ومؤلفات، أبرزها “كبار الاقتصاديين في العالم” (2013) و”أعذار تبرّر العقوبة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية” (2014)، و”مقاربة للتنمية الاقتصادية والعدالة” عام 2015، و”النموّ الاقتصادي المتسارع في إيران” 2016.

وفور بدء توارد الأنباء عن حادثة المروحيّة التي كانت تقلّ الرئيس والوفد المرافق له، ترأّس مخبر اجتماعاً للحكومة الإيرانية أدار عبره أزمة اختفاء الرئيس، ثم بعد موافقة المرشد، بدأ ممارسة مهامه رئيساً مؤقتاً لإيران، وتلقّى، بصفته هذه، أول اتصال خارجي من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

ووسط كل هذا الحزن والانكسار على الكارثة التي حلت بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، لابد من مواصلة الحياة ومواصلة المنافسة. والحديث هنا عن تكامل أوراسيا والتحرك نحو التعدّدية القطبية يقوده بشكل أساسي ثلاثة لاعبين رئيسيين، هم روسيا والصين وإيران. ويصادف أن هذه هي أكبر ثلاثة “تهديدات وجودية” لـ “محور الخير” المزعوم. وجوهر الأمر دعوة بوتين سفير إيران لدى روسيا، جلالي، ليكون على الطاولة في اجتماع مرتجل لصفوة فريق الدفاع الروسي، حيث كان الجميع حاضرين، وزير الدفاع بيلوسوف، وأمين مجلس الأمن شويغو، ورئيس الأركان العامة غيراسيموف، ووزير حالات الطوارئ كورينكوف، والمساعد الخاص للرئيس ليفيتين. والرسالة واضحة وضوح الشمس: روسيا تدعم إيران، وروسيا تدعم بشكل كامل استقرار واستمرارية الحكومة في إيران، وهو الأمر الذي يضمنه الدستور الإيراني بالكامل على أية حال.

العالم في الوقت الراهن ينغمس في نمط من الحرب الهجينة الشاملة، التي تقترب من الحرب الساخنة، على معظم أنحاء الكوكب، بينما هناك ثلاث حضارات تشكّل عالماً جديداً، لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً. ومع ارتباطها بشراكات استراتيجية ثنائية، ومن خلال عضويتها في مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وبعد اجتماع بوتين وشي في بكين الأسبوع الماضي، لن يسمح أي من الثلاثة بزعزعة استقرار الشركاء الآخرين من المشتبه فيهم المعتادين.