طب التخدير.. غياب للمحفزات وانتقاص للحقوق ومحاولات لترميم واقع العمل
دمشق- حياة عيسى
لم يخف المسؤول العلمي لرابطة الأطباء، اختصاصي التخدير وتدبير الألم في سورية الدكتور فواز هلال، غياب الرؤية التفاؤلية أو المشجعة لواقع التخدير في القطاع العام والخاص، بالتزامن مع وجود مغريات كبيرة في الخارج، سواء من الدول الغنية مالياً والمتطورة، أو الدول المأزومة التي تعمل على استقطاب الطبيب السوري، لاسيما “طبيب التخدير”، بأسعار مغرية، لذلك لابد من تحصينه بإعطائه حقه في القطاع الخاص أولاً، وعدم القبول بالظلم الواقع عليه من قبلهم، علماً أن مجهود طبيب التخدير يذهب لجيوب خاصة، سواء “للمشافي الخاصة، أو للجراحين”.
وتابع هلال في حديثه لـ “البعث” أنه بالنسبة للمكافآت فهي يسيرة في القطاع العام، أما في الخاص فهي مستحيلة أو شبه مستحيلة، والغريب في الموضوع أنه حتى الآن ليست هناك جهة تطرق جبهة القطاع الخاص والمشافي الخاصة، لذلك لابد من إيجاد آلية عمل على القطاع الخاص من قبل نقابة الأطباء ووزارة الصحة لفرض شروط جزائية تحمي طبيب التخدير، وتكون لها القدرة على تحصيل مستحقاته حسب تعرفة الوزارة كون أجور طبيب التخدير في الخاص أقل من التعرفة المستحقة بكثير، الأمر الذي يستدعي التدخل من قبل الجهات ذات الصلة، وفرض عقوبات على الطبيب الذي يعمل بأقل من التعرفة، والمشفى الذي يعطي أقل منها.
وأشار هلال إلى الاجتماع النوعي الذي عقد منذ فترة ليست ببعيدة على مستوى عال لدراسة واقع التخدير، وهي خطوة فعالة للتحركات الجادة لحل مشاكل اختصاص التخدير، مع وجود أمور واعدة لتحقيق مطالب الاختصاص التي تمثّلت بزيادة المكافآت في القطاع الحكومي، وفصل الوحدات التخديرية عن الوحدات الجراحية، ورفع قيمة أجور الوحدة التخديرية في القطاع الخاص، وإيجاد آلية عمل لذلك، وإشراك طبيب التخدير بحوافز الأقسام الخاصة في المشافي الحكومية، وتحويل حساب التخدير بقطاع التأمين لحساب الطبيب مباشرة دون المرور عبر المشفى، إلا أن الأخير يواجه صعوبات تقنية، ولكن تم الوعد بإيجاد آلية لوصول مستحقات الطبيب كاملة، مع ضرورة العمل على إيجاد صندوق تمويل على مدار العام لتغطية المؤتمرات العلمية والفعاليات التي من شأنها أن ترفع سوية الاختصاص.
ولفت إلى أنه مع انطلاق الرابطة منذ عام 2016 اتجهت نحو تحقيق هدفين، أولهما تحصين اختصاص التخدير من التلاشي والنقص العددي الهائل الذي تم التنبؤ به منذ ذلك الوقت، وقرع ناقوس الخطر، ولكن لم تكن هناك متابعة حثيثة للموضوع بشكل جيد وفعال من قبلهم، وكانت الحلول اجتزائية وفلاشات صغيرة دون وجود رؤية استراتيجية متكاملة للتحصين، وتجلى الهدف الآخر بضرورة التوجه نحو التطوير العلمي، ورفع سوية أطباء التخدير في سورية لأن الاختصاص كان في طور الترهل بكافة المناحي، وذلك نتيجة الأزمة، ولكن كان لابد من مؤتمرات علمية موازية للنضال التنظيمي لتحصين الاختصاص، والوقوف في وجه زواله، حيث تم إجراء العديد من المؤتمرات العلمية، كان أولها التأسيسي في عام 2018 وشهد بنجاحه تحت عنوان: “التخدير ودعم وظائف الحياة”، كما تم إطلاق المؤتمر الثاني تحت عنوان: “فن التخدير أكثر من مجرد نوم وصحو”، إلا أن نجاحه كان أقل من المؤتمر الأول نتيجة تزامنه مع أزمة محروقات خانقة حالت دون حضور العديد من الاختصاصيين، كما تم إجراء يوم علمي في محافظة حمص تحت عنوان: “العناية المشددة من صلب عمل طبيب التخدير”.
أما المؤتمر الثالث، حسب هلال، فهو ما يتم التحضير لإطلاقه في الشهر الحالي تحت عنوان: “التخدير في الحالات الحرجة”، ويعتبر من المؤتمرات الواعدة والغنية علمياً نتيجة وجود نخبة من المحاضرين والأطباء المتميزين، وسيضم أكثر من ورشة عمل، ولقاء مع طبيب سوري من الولايات المتحدة عبر السكايب للاستفادة من خبرته في هذا المجال.
أما على الصعيد التنظيمي فهناك مشكلة تواجه المؤتمر وهي “التمويل”، وعزوف الشركات الدوائية والأجهزة عن التمويل، ولكن تمت الاستعانة ببعض الجهات المعنية لتجاوز المشكلة، وسيتم تناول العديد من المحاور، أهمها: (التخدير في الحالات الحرجة، التخدير في ظروف الطوارئ، الفرز والإخلاء في الظروف الميدانية، التخدير والإنعاش بالرضوض الكبيرة، أمراض ورضوض الصدر، الكوفيد 19، كيفية التعامل مع المريض في العناية المشددة، واقع أطباء التخدير في سورية، البروتوكول المقترح لممارسة عمل التخدير).
يشار إلى أن الرابطة تحاول إظهار الأهمية الحيوية لهذا الاختصاص كونه من صلب طب الطوارئ والطب الإسعافي، حيث إن المهمة الأساسية لطبيب التخدير تكمن في دعم وظائف الحياة، وامتصاص الآثار الجانبية والسمية للعمل الجراحي ومواد التخدير على حد سواء، ويعتقد هلال أن الرابطة نجحت في زيادة الوعي الشعبي لهذا الاختصاص، كما نجحت في جعل أزمة التخدير الخانقة قضية رأي عام، وتقديمها كملف ساخن على طاولة الحكومة.