عقوبات جونسون.. هل تغرق تيتانيك البريطانية؟
سمر سامي السمارة
على خلفية أحداث أوكرانيا، قرّر بوريس جونسون “تلميع سمعته المشوّهة” بعد أن وجد نفسه مؤخراً عرضة لانتقادات متزايدة من البريطانيين، وعلى وشك المساءلة بسبب لامبالاته تجاه رعايا المملكة، لذا لجأ إلى ما يُسمّى “الرهاب الروسي”، وتحت هذا الشعار قرّر شنّ هجوم شامل على كلّ ما يتعلق بروسيا. وعلى الرغم من ادّعائه احترام “الحريات وحقوق الإنسان” إلا أنه لم يقم حتى الآن بإدانة الأفعال المعادية للروس التي ارتكبها المتطرفون البريطانيون، وخاصة عملية النهب الأخيرة التي استهدفت كنيسة القديس نيكولاس الروسية في أكسفورد، وسط حملة من الأخبار الكاذبة التي أطلقها هو نفسه ووزير خارجيته في البلاد.
تزداد حدة حوادث كراهية الأجانب ومظاهر “رهاب روسيا” التي تشهدها بريطانيا منذ مدة طويلة، كلما وصلت العلاقات بين العالمين الروسي والغربي إلى نقطة الصراع المباشر. وقد كان هذا هو واقع الحال خلال حرب القرم في القرن التاسع عشر بعد ثورة أكتوبر 1917، وبعدئذ طوال الحرب الباردة تحت شعار “الخطر الأحمر”.
قبل أزمة أوكرانيا، انتشرت حملة “الرهاب الروسي” في بريطانيا، ومع بدء عملية موسكو الخاصة لنزع السلاح من أوكرانيا في 24 شباط الماضي، قام جونسون مرة أخرى بإخراج المشاعر المعادية لروسيا من “الخزانة المهترئة”، ونشرها على نطاق واسع في المملكة، ما أدى إلى تعرّض المواطنين والمؤسّسات الروسية للهجمات والإهانات.
في الوقت نفسه، قام جونسون بزيارة عاجلة إلى الرياض، حاملاً معه الإيحاءات نفسها المناهضة لروسيا لاستبدال إمدادات الطاقة الروسية بإمدادات من الخليج. وعلى الرغم من رفض مشايخ الخليج المشاركة في حملة بايدن للطاقة المناهضة لروسيا، حاول جونسون المناورة حول السياسيين البريطانيين عند تنظيم الرحلة، حيث أعرب أعضاء البرلمان في مجلس العموم البريطاني عن مخاوفهم العميقة بشأن العلاقات البريطانية السعودية.
قبل سفره إلى الرياض، التقى جونسون بقادة قوة المشاة المشتركة، لكنه لم يحقّق أي نجاح هنا أيضاً، وخاصة مع القضاء على ثلاثة من المرتزقة البريطانيين في غارة على ملعب تدريب يافوريفسكي بالقرب من لفيف في غرب أوكرانيا.
من الجدير بالذكر، أن قوة المشاة المشتركة بقيادة المملكة المتحدة، والتي تأسّست عام 2014، ليست قوة دائمة، حيث تنفذ الدول المشاركة باستثناء بريطانيا، الدنمارك وإستونيا وفنلندا وأيسلندا ولاتفيا وليتوانيا وهولندا والنرويج والسويد، تدريبات ميدانية مشتركة بشكل دوري. والآن يعتزم جونسون استخدام “إمكاناتهم” في تعزيز المواجهة مع روسيا في أوكرانيا.
اشتدت الانتقادات بشكل كبير في المملكة مؤخراً، لسياسة العقوبات الاستفزازية التي ينتهجها جونسون ضد روسيا، والتي تلحق الضرر الأكبر بالسكان البريطانيين. وبحسب تقارير لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، اشترت بريطانيا بضائع بقيمة 2.6 مليار جنيه استرليني من روسيا قبل تصاعد الوضع في أوكرانيا بشهر واحد. ووفقاً للمكتب الوطني للإحصاء، تضمّنت واردات شهر كانون الثاني وقوداً بقيمة 911.5 مليون جنيه إسترليني: فحم وكوك وقوالب للفحم الحجري بقيمة 32 مليون جنيه إسترليني، ونفط بقيمة 590.4 مليون جنيه إسترليني، وغاز بقيمة 289.1 مليون جنيه إسترليني. والآن سيتعيّن على بريطانيا التنازل عن كلّ ذلك بسبب العقوبات المناهضة لروسيا التي فرضها جونسون.
ووفقاً لصحيفة “ديلي ميل”، من المحتمل أن يتسبّب ارتفاع أسعار النفط الكبير، الناتج عن العقوبات المفروضة على روسيا بعواقب اقتصادية وخيمة على المملكة المتحدة تتجاوز حتى آثار أزمة النفط عام 1973.
نظراً للارتفاع الحاد بأسعار الغاز مؤخراً، والذي وصل إلى خمسة أضعاف، سيتعيّن على بريطانيا مواجهة أزمة طاقة متزايدة، كما سيؤدي وقف إمدادات الأخشاب من روسيا بسبب العقوبات الجديدة، إلى زيادة حادة في تكاليف التدفئة لأصحاب المنازل والمنظمات التي تستخدم هذا الوقود. كما أنه سيكون لعدم استيرادها وشرائها من المنتجين الروس تأثير أيضاً على الإمدادات على مستوى العالم، وليس على بريطانيا فقط، لأن الكميات الضخمة من الصادرات السابقة تأتي من روسيا.
يحذّر الخبراء من انخفاض إجمالي الإنتاج الأوروبي بنسبة تتراوح بين 12-15٪ بسبب العقوبات والقيود البريطانية والغربية المفروضة الآن على موسكو، لذا فإن ارتفاع الأسعار في بريطانيا بسبب الوضع الحالي أمر لا مفرّ منه، وكذلك الإفلاس الجماعي في المملكة.
في الواقع، لم تكد المملكة المتحدة تتعافى من الوباء، حتى وجدت نفسها مرة أخرى أمام أزمة جديدة، حيث يواجه المستهلكون البريطانيون “صعوبات شديدة” من ارتفاع التضخم وارتفاع التكاليف اليومية.