دراساتصحيفة البعث

أزمة أوكرانيا والأمن الغذائي العالمي

هناء شروف

أدّى الصراع الروسي الأوكراني إلى اضطراب أسواق السلع وتهديد الأمن الغذائي العالمي، كما أدى ضعف المحاصيل في أمريكا الجنوبية، والطلب العالمي القوي وقضايا سلسلة التوريد إلى انخفاض مخزونات الحبوب والبذور الزيتية، ما دفع الأسعار إلى أعلى مستوياتها منذ 2011-2013.

وصلت أسعار الزيوت النباتية أيضاً إلى مستويات قياسية، مما يعكس ضعف إنتاج فول الصويا في أمريكا الجنوبية وانخفاض إمدادات زيت النخيل بسبب مشكلات الحصاد في ماليزيا، والزيادة الحادة في استخدام زيت النخيل وفول الصويا لإنتاج الديزل الحيوي. كما وصلت أسعار المدخلات الرئيسية كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الوقود والأسمدة والمبيدات إلى مستويات شبه قياسية.

وسيؤثر الصراع في أوكرانيا بشكل أكبر على الأسواق العالمية، بسبب الاضطرابات في إمدادات الحبوب العالمية على المدى القصير والغاز الطبيعي والأسمدة، والتي بدورها سيكون لها آثار سلبية على المنتجين مع دخولهم موسم زراعة جديداً. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة أسعار المواد الغذائية المرتفعة بالفعل، وله عواقب وخيمة على البلدان المنخفضة الدخل والمستوردة للغذاء الصافي، والتي يشهد العديد منها زيادة في معدلات سوء التغذية على مدى السنوات الماضية بسبب الاضطرابات الناجمة عن الوباء في الإمدادات الغذائية وارتفاع الأسعار.

على مدار الثلاثين عاماً الماضية، برزت منطقة البحر الأسود كقناة عالمية مهمة لإمدادات الحبوب والبذور الزيتية والزيوت النباتية. ففي أوائل التسعينيات بعد تفكك الاتحاد السوفييتي كانت المنطقة مستورداً صافياً للحبوب.

اليوم، تمثل الصادرات الروسية والأوكرانية نحو 12 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية المتداولة في العالم، وتعدّ الدولتان من بين أكبر خمسة مصدّرين عالميين للعديد من الحبوب والبذور الزيتية المهمة، بما في ذلك القمح والشعير وعباد الشمس والذرة. وأوكرانيا هي أيضاً أكبر مصدر لزيت بذور عباد الشمس، حيث تمثل نحو 50 في المائة من السوق العالمية.

تعتمد العديد من الدول بشكل كبير على استيراد هذه المنتجات من أوكرانيا وروسيا. على سبيل المثال تستورد شمال أفريقيا والشرق الأوسط نحو 60 في المائة من احتياجاتها من الحبوب ونسبة كبيرة تتراوح بين 40 في المائة إلى 50 في المائة من القمح والشعير من أوكرانيا وروسيا. وتعتبر أوكرانيا مورداً مهماً للذرة إلى الاتحاد الأوروبي والصين والعديد من دول شمال أفريقيا، بما في ذلك مصر وليبيا.

يتمّ حصاد معظم محاصيل القمح والشعير في الصيف وتصديرها خلال الخريف، ويتمّ تصدير الكثير من القمح والشعير في أواخر شهر شباط. لكن صادرات أوكرانيا من الذرة وزيت عباد الشمس تظل قليلة خلال الربيع وحتى أوائل الصيف، وتتدفق معظم صادراتها من الحبوب والبذور الزيتية من أوديسا وموانئ أخرى على الساحل الغربي للبحر الأسود.

مع ذلك، يبدو أن الاضطرابات تزداد احتمالية مع اشتداد الصراع العسكري، مما أدى إلى تعليق الشحن وتهديد موسم حصاد القمح المقبل. إلى جانب ذلك يمكن للإجراءات المضادة التي اتخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاقتصادات الأخرى ضد روسيا أن يكون لها تأثير كبير على صادرات الأخيرة من الغاز الطبيعي والأسمدة. وبما أن الغاز الطبيعي الروسي يمثل نحو 20 في المائة من التجارة العالمية وتورد روسيا نحو 40 في المائة من واردات الاتحاد الأوروبي الحالية، فإن العقوبات الغربية ضد موسكو يمكن أن تعطّل تجارة الطاقة وترفع أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات أعلى.

صحيح أن المستوردين الأوروبيين يمكن أن يتحولوا إلى موردين آخرين مثل الولايات المتحدة، لكن القضايا اللوجستية -صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال- ستضيف إلى التكاليف دون تقديم أي تخفيف كبير على الأقل على المدى القصير.

قد ترتفع أسعار الأسمدة أيضاً، لأن روسيا مورد مهم للأسمدة النيتروجينية والبوتاس، فهي تمثل 15 في المائة من التجارة العالمية في الأسمدة النيتروجينية، و17 في المائة في أسمدة البوتاس.

كانت أسواق الأسمدة الدولية تترنح من تأثير الأسعار المرتفعة القياسية، لذا فإن المزيد من النقص سيكون له آثار عالمية، ولاسيما بالنسبة للبلدان النامية، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تقليل استخدام الأسمدة بشكل كبير مما يؤدي إلى ضعف المحاصيل المحلية، في وقت تتقلص فيه المخزونات العالمية، وتسجيل ارتفاع قياسي في أسعار المواد الغذائية.

الأوضاع في الأسواق الدولية متقلبة للغاية، ولكن القلق المباشر هو ضعف البلدان المستوردة الصافية للغذاء والتي تعتمد بشكل كبير على أوكرانيا في الإمدادات، مثل تلك الموجودة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لذا يجب أن تشمل الجهود العالمية لاستعادة السلام أيضاً اتخاذ تدابير لحماية الأمن الغذائي العالمي بشكل أفضل، ما يعني ضمان ألا تؤثر العقوبات المفروضة على روسيا على الدول التي تعتمد على الصادرات الروسية.

إن فرض عقوبات على هذه القطاعات لن يؤدي إلا إلى تفاقم النقص الغذائي العالمي، وسيؤدي بشكل أساسي إلى معاقبة السكان الذين يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي. ونظراً للارتفاع الشديد في الأسعار الزراعية يمكن لبعض الدول أن تسعى إلى عزل المنتجين المحليين عن طريق تقييد الصادرات، لكن يجب تجنّب مثل هذه التحركات، كما يمكن أن يكون لسياسات التسول مع الجار آثار ضارة على الدول المستوردة ولاسيما الأكثر ضعفاً، لذا فإن العقوبات وكذلك قيود التصدير يجب أن تُصمّم بطريقة تحمي الأمن الغذائي العالمي وتحمي الدول من المزيد من الضرر.