معرض “هواجس فنية” يفتتح صالة القواف
حلب – غالية خوجة
تتفتّح ذاكرة غاليري صالة القواف للفنون الجميلة بحلب – السريان القديمة، من جديد، مع معرض فردي بعنوان “هواجس فنية” للفنان التشكيلي تيسير قواف وهو مؤسّسها ومديرها، ليكمل مشواره الفني مع مشروعه بأبعاده البصرية المختلفة بين الرسم والنحت والفنون التطبيقية الأخرى، لتعود إلى إضافة موجة متحركة للفنون في حلب خصوصاً وسورية عموماً، ولاسيما بعد العشرية الإرهابية، وتشرع أجنحتها للفن والثقافة، وهو ما عهدته منذ افتتاحها الأول أواخر عام 1995، وما قدمته للحركة التشكيلية السورية مع مجموعة من الغاليريهات، منها صالة الخانجي وصالة نقابة المعلمين مثلاً.
رمزية الواقع بين الصمت والطبيعة والمجتمع
تتنوّع الأعمال المعروضة لتحكي هواجسها القديمة والجديدة، وحكاياتها تنتشر مع الصمت واللون والطبيعة، لأنها منسوجة من الأخشاب كأخشاب الزيتون والجوز، ومن الحجارة ومنها البازلت، ومن المعادن الأخرى مثل البرونز، ومن “الخيش”، والسلاسل المعدنية، كما تشتبك الخامات الأخرى مثل الفخار والصلصال بهذه التشكّلات والتشكيلات، وتبرز غرابتها من خلال الأعمال اليدوية مثل “الإكسسوارات” وهي تخرج من متحف ما، والمفروشات الموحية بعصور وحضارات، تقف في المعرض لتخبرنا عن محاكاتها لمراحل تأريخية مختلفة، بينما نلمح في الجداريات الدامجة بين النحت على الخشب والحجارة والرسم أو المجسّم، قصصاً أخرى تلامس هواجس الإنسان وذاكرة المتلقي جاذبة المشاهد إلى حالة درامية متسائلة.
كلمات الفراغات المتقاطعة
أمّا ألوانها فتبدو مثل ومضات متدرجة بين الأبيض والأسود والبرتقالي والأزرق والأخضر والترابي والأرجواني، مما يجعلها تتحدث إلى نفسها والآخرين والعناصر الكونية بصمت وفراغات تشبه الكلمات المتقاطعة، داعية العالم لتركيب المعاني والدلالات والحكايات وهي تتحرك بين الواقعية والرومانسية والتعبيرية والرمزية.
المرأة بشالها الأحمر
وهذه الحكايات نلمسها في أعماله، ومنها منحوتة جدارية المرأة ذات الشال الأحمر، وهي تميل داخل رأس إنسان بوجهين كل منهما يحدق في جهة مختلفة، وهي تمسك بشال أحمر بيدها، كأنه قلبها، أو آلامها، أو أسرارها.
الشمس زهرة الصبار
وتبرز نبتة الصبار رمزاً مشتركاً يعبّر عن آلام المجتمع السوري في الحرب وما بعدها، من خلال لوحات مرتبطة بالمعاناة والصبر والأمل والمحبة والتعاون والتآلف الذي يجمع الأم بابنتها، والأخت بأختها، والأصدقاء معاً. ورغم رمادية اللون المضمخ بالأسود في لوحة الصبار والشاطئ، ورغم الحزن واليأس والألم، إلاّ أن الشمس تطلّ على الموج العاصف، وتنبت كثمرة وحيدة في أعلى ورقة للصبار، مؤكدة على الضوء القادم من اللحظات الآتية بعد العاصفة.
مطر أزرق وتأمل بريّ
كما تتجوّل الكائنات الأخرى من حيوانات ونباتات بين الأعمال وهي تتأمل مجالها البري وشخوص اللوحات، مثل تلك الزرافة البرونزية المستظلة بجدار محفور، وهي تنظر إلى الشجرة التي تستظلها امرأة من أحد الأزمنة مع غزالتها بينما المطر يتساقط عليهما، وصوته الأزرق الموشّى بالغيم وهبوب الريح يصل إلى المتلقي.
مسافة الحلم
بينما تسافر بنا حفرية النافذة إلى الإنسان المسند رأسه على ذراعيه وهو يتابع الأحداث حوله بعينين مغمضتين، تماماً، كما يتابع أحداث أحلامه الموزعة على اللوحة التي تخبرنا بمرور 7 رصاصات تركت آثارها الزرقاء على الحافة العلوية للنافذة، لتتأمل هذه الآثار الصمت بعد الشظايا والعنف.
تشكيلات متعددة
وتنبّهنا بعض اللوحات إلى انعكاسات أشكال أخرى تجمعها بصورة تصويرية أولى، لكنها مركّبة من أشكال مختلفة، مثل لوحة الشمعة التي تبدو مؤنثاً منحوتاً باللون على حجارة كانت لعمود يقف هنا، ومن زاوية رؤية أخرى، نلاحظ أن لهب الشمعة هو قرص الشمس، وأن الستارة المزينة بالورود تفتتح مشهداً حياتياً على أحداث مختلفة، بطلتها الشمعة ورمزيتها وحجارتها المتشكّلة هياكل إنسانية توشوش الصمت وتحضن الضوء بمحبة صافية.
الفن ثقافة حضارية
الفنان تيسير قواف الذي قدّم أعماله عبر 200 مشاركة فردية وجماعية محلياً وعربياً وعالمياً، اختزل مسيرته الفنية بهذا المعرض وهواجس أعماله، أجابني عن محاكاته للموروث الإنساني مثل المجسمات والتماثيل الفينيقية والإكسسوارات العابرة للتأريخ والعصور: هي محور بعض أعمالي، لكنها بأسلوب معاصر فيه من مفرداتي ومخيلتي.
أمّا عن كيفية البداية بعد الانقطاع عن الصالة لا الانقطاع عن متابعته لأعماله، أجاب “البعث”: بداية جديدة استكشافية للساحة الفنية التي غادرها أغلب الفنانين وفاة وهجرة وغربة، وتبعاً للظرف الحالي، أستبصر الحضور، بعدما تغيّر نتيجة ما مرّت به سورية من حضور قديم أعرفه إلى حضور أتعرف إليه الآن، وأكتشف المواهب، خصوصاً، جيل الشباب الذي ألحظ عليه الشغف والاهتمام، وللفن دور تثقيفي، وهذا ما أسعى إليه، وأتابع ردات الفعل التي يعبّر عنها زوار المعرض، وغالباً، ما تكون الدهشة الفائقة من هذه اللغة البصرية ذات المواد الواقعية والأسلوب غير الواقعي.
وأضاف: علينا أن نعمل جميعاً على التواصل مع الفنون والثقافة من خلال التفاعل، ليدرك الجيل الشاب أن الفضاء التكنولوجي يدفعهم إلى الاستهلاك، بينما هذا الفضاء يدفعهم إلى التواصل والتفاعل والإنتاج والإبداع. وأكد: لننجز هذه الهواجس، علينا أن نبني الإنسان معاً، لأن جميع الجهات مسؤولة ابتداء من البيت والأسرة والمدرسة والجامعة والجهات المهتمة بالثقافة والفنون. واسترسل: عام 2009 أقمت ورشات عمل تطبيقية اخترت المشاركين فيها من رواد الصالة بمختلف أعمارهم وفئاتهم الذين رأيت فيهم موهبة واستكشافاً، ومن خلال متابعتي لتعليقاتهم جمعت الأسماء، ودعوتهم لهذه الورشات، ثم أقمت لهم معرضاً جماعياً بعنوان “رؤية مشتركة”، كانت بعض لوحاته تشاركية بينهم، وبعضها ذات رؤية مشتركة، وبعضها فردية.