ثقافةصحيفة البعث

“قدودنا تراثنا”.. احتفال وطني مركزي بذاكرة الموسيقا

حلب- غالية خوجة

ما أجمل أن يغرّد الجيل الجديد بموسيقانا الأصيلة، متمسكاً بجذوره وأوتارها وبراعمها وهي تنشد لهذا الكون ذاكرتها المصنفة وتبعاً لليونسكو تراثاً إنسانياً عالمياً، باحتفالية وطنية فنية تراثية مركزية على مسرح نقابة الفنانين بحلب كداعم وشريك مع وزارة التربية.

اكتشافات وثائقية

شهدت الافتتاحية فيلماً وثائقياً عرض تأريخ القدود الحلبية من إعداد عبد القادر بدور، اختزل فيه رحلة الموسيقا منذ اكتشاف اللقى والآثار الدالة عليها وعلى آلاتها في مملكة ماري، وما قدمته منذ 2000 قبل الميلاد، وصولاً إلى تأسيس القدود مع مار أفرام والمرحلة اللاحقة إلى عصرنا الحالي ولمعان الكثير من الحناجر الأصيلة مثل محمد خيري، صبري مدلل، وصباح فخري الذي ساهم كثيراً في وصول القدود الحلبية إلى اليونسكو لتسجل تراثاً عالمياً غير مادي.

أصوات مزهرة بالفلكلور

تتفتح الأصوات مثل أزهار الكرز وهي تنتقل بين قدّ وآخر، وموشح وآخر، وتميل مع حركة قائدها المايسترو عبد الحليم حريري، كما تلمع أصوات الفرقة الوطنية لكورال الشهباء متمايلة مع “لما بدا يتثنى”، راجعة بنا إلى الأندلس، وزخارف غرناطة وأعمدتها وحكاياتها، لتمرّ بنا باتجاه إشبيلية، لتليها قدود “اسقِ العطاش” بنفحتها الروحية الإنشادية، بعدها، نجد أنفسنا مع مقام “الراست” والرقص العربي الفلكلوري، الذي يذكرنا ببيوتنا العربية وساحاتها واحتفالاتها، وكيف لا يخلو بيت حلبي من الطرب والموسيقا التراثية، وبعد هذه الفقرة الفنية نصل إلى “المولوية” ودورانها المتناغم بين الذات والكون وهو يدور عكس عقارب الساعة، مما يذكّرنا بجلال الدين الرومي الذي عبّر عن دواخله وهو يتواصل مع الله بهذه الحركات الدائرية، ليكون المركز العقل والقلب والذات، مما يجعل الجسد يتفاعل بإيجابية متوازنة ليصل إلى نقطة تعزف فيها الروح ما تراه من الوجود والكون، فيغتسل الفضاء بأمطار الإيقاعات الحيوية محلقاً في عوالمه المتجددة، لتلتهب القاعة بأغنية راجعة على عزها حلب.

تكريم مضاء بالشمعة الأولى

وهكذا أضاءت حلب الدورة الأولى من هذه القدود مكرمة 11 قامة فنية: عبد الحليم حريري، عمر سرميني، صفوان العابد، حمام خيري، محمود فارس، مصطفى هلال، أحمد خيري، فؤاد ماهر، أحمد خياطة، محمود زيدان صاحب أكبر مكتبة موسيقية غنائية خاصة، والمربي عبد السلام بابللي.

والملفت أن الخلفية الموسيقية للتكريم كانت “كارمينا بورانا- عجلة القدر”، لكنني تمنيت لو كانت الخلفية موسيقا من القدود، ولا بد أن أذكر بعداً جمالياً قد لا ينتبه له الكثيرون، وهي مقايسة كلمات من بعض القدود على كلمات أخرى، أدخلت حلب ورموزها من خلال استبدال بعض الكلمات التي قيست بحداثة مكانية احتفالية على القد، مثل “يا عمي خدني معك ع الشام لاتفرج، أضيفت أيضاً “حلب” ع حلب لاتفرج”، وكذلك: “ويا مال الشام” سمعناها بطريقة محببة وحديثة: “يا مال الشهبا يا الله يا مالي، الفستق الحلبي تمنو غالي”.