اليابان تستغل أزمة أوكرانيا
هناء شروف
اليابان جزء من الكتلة التي يقودها الغرب، وفرضت عقوبات اقتصادية وتجارية على روسيا بهدف إضعاف الاقتصاد الروسي، بدلاً من بذل جهود صادقة لإنهاء الصراع الروسي الأوكراني.
لم تكتفِ اليابان بفرض عقوبات على الصادرات إلى المنظمات ذات الصلة بالجيش الروسي، بل قيّدت توريد السلع ذات الأغراض العامة، مثل أشباه الموصلات، وجمّدت أصول الأفراد والمنظمات الروسية، وأوقفت إصدار التأشيرات لهم.
لقد منع ثالث أكبر اقتصاد في العالم بنوكاً روسية مختارة من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، وهي شبكة عالمية تمكّن المؤسّسات المالية من إرسال واستقبال المعلومات حول المعاملات المالية بطريقة آمنة وموحّدة وموثوقة بصرف النظر عن تجميد المعاملات المالية، وأصول الرئيس فلاديمير بوتين ومسؤولين روس آخرين والبنك المركزي الروسي وبعض المؤسّسات المالية الأخرى. وتضمّ قائمة العقوبات حالياً 76 فرداً وسبعة بنوك و12 مؤسسة ومنظمة روسية أخرى.
ردّ فعل طوكيو على أمر موسكو بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا يتناقض بشكل صارخ مع إعلان روسيا السيادة على شبه جزيرة القرم بعد استفتاء عام 2014. وقد أعلن شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني آنذاك عن عقوبات ضد روسيا، لكنها كانت أخفّ بكثير ومحدودة النطاق مقارنة بتلك التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الأوروبية. في الواقع حاول آبي تقوية العلاقات مع روسيا وعقد 27 لقاءً وجهاً لوجه مع بوتين.
يمكن أن يُعزى التحول في سياسة طوكيو تجاه روسيا إلى التطورات السياسية في اليابان. قاد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا البلاد بعيداً عن سياسة آبي تجاه روسيا في محاولة للحدّ من نفوذ آبي في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم وحشد الدعم الكافي للفوز في انتخابات مجلس المستشارين في تموز المقبل.
يعتقد كيشيدا أنه من خلال التصرّف بحزم ضد روسيا يمكنه الحصول على المزيد من الدعم الشعبي. قد يكون على حق، فوفقاً لاستطلاع أجرته وكالة أنباء كيودو يوم 20 آذار الماضي ارتفعت نسبة التأييد لمجلس وزراء كيشيدا من 56.6 في المائة في شباط إلى 60.1 في المائة هذا الشهر.
يؤكد موقف اليابان من الصراع بين روسيا وأوكرانيا التحوّل الأوسع للبلاد نحو سياسة خارجية أكثر حزماً، حيث أرسلت سترات واقية من الرصاص وخوذات ومعدات عسكرية أخرى غير مميتة إلى أوكرانيا، وهذه هي المرة الأولى التي تزوّد فيها مثل هذه المعدات لدولة مغلقة في صراع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ليس من المستغرب أن تحاول بعض القوى السياسية اليابانية الاستفادة من الأزمة الأوكرانية لإثارة ما يُسمّى بالتهديدات الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية. على سبيل المثال بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، حثّ آبي طوكيو على التفكير بإبرام اتفاق للمشاركة النووية مع واشنطن، ولكن على الرغم من رفض كيشيدا الفوري لاقتراح آبي بالقول إنه غير مقبول نظراً لتعهد اليابان الالتزام بالمبادئ الثلاثة غير النووية المتمثلة بعدم حيازة الأسلحة النووية وعدم إنتاجها وعدم السماح بإدخالها.
اليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي عانت من هجوم نووي، وكانت المناقشات حول امتلاك أسلحة نووية دائماً من المحرمات في المجتمع الياباني. لذلك سيكون من الصعب على اليابان السماح للولايات المتحدة بتثبيت أسلحة نووية على أراضيها أو التخلي عن المبادئ الثلاثة غير النووية. ومع ذلك فإن النقاش حول خيار المشاركة النووية يمكن أن يشجّع البلاد على تطوير أسلحة متطورة.
في الوقت الحالي تدرس اليابان تعزيز قدرة قوات الدفاع الذاتي على شنّ هجمات استباقية على قواعد الصواريخ لأعداء محتملين. والخوف هو أنه إذا حرّرت اليابان نفسها تماماً من القيود الدستورية للسياسة الموجهة حصرياً للدفاع، فإنها ستعيد تشكيل الهيكل الأمني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
قد تدفع الأزمة الأوكرانية السياسيين اليابانيين المتشدّدين لمحاولة تعديل دستور البلاد، حتى كيشيدا تعهد بالضغط من أجل هدف الحزب الديمقراطي الليبرالي المتمثل بمراجعة الدستور. ولكن نظراً لأن أي تعديل للدستور يتطلّب موافقة ثلثي أعضاء مجلسي البرلمان ودعم الجمهور من خلال استفتاء وطني، لكن ووفقاً لاستطلاع حديث هناك معارضة لأكثر من نصف الشعب الياباني، لذلك سيستمر الحزب الديمقراطي الليبرالي في إقناع المزيد والمزيد من الناس للمطالبة بمراجعة الدستور.
استغلت الحكومة اليابانية الصراع الأوكراني الروسي للدعوة إلى إصلاح الأمم المتحدة، حيث قال كيشيدا في 14 آذار الماضي إن الصراع يظهر الحاجة إلى إطار جديد للنظام الدولي. وردّد وزير الخارجية يوشيماسا هاياشي فكرته، حيث قال إن اليابان ستعمل مع دول أخرى للسعي إلى إصلاحات الأمم المتحدة وترقية اليابان إلى عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
تأسّست الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لإبقاء الفاشية والعسكرة في مأزق وبناء نظام عالمي بعد الحرب، لكن بعض السياسيين اليابانيين تجاهلوا دائماً الحقائق التاريخية وماضي اليابان العسكري في السعي للحصول على عضوية اليابان الدائمة في مجلس الأمن.
من الواضح أن اليابان تعتزم الاستفادة من الأزمة الأوكرانية لتحقيق بعض أهدافها الاستراتيجية، في وقت تجنّبت معظم دول جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا الانحياز إلى أي طرف في النزاع الأوكراني الروسي. فقد أصدر وزراء خارجية الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا بياناً في 3 آذار الماضي، دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار ومواصلة الحوار السياسي لحلّ الأزمة واستعادة السلام في أوكرانيا. أما الهند فقد اشترت 3 ملايين برميل من النفط الخام الروسي رغم العقوبات الأمريكية.
ربما بناءً على نصيحة واشنطن زار كيشيدا الهند وكمبوديا في الفترة من 19 إلى 21 آذار لإقناع دول جنوب وجنوب شرق آسيا بتغيير موقفها من أزمة أوكرانيا، والمطالبة بعدم السماح لأي دولة بتغيير الوضع الراهن بالقوة، لكن على اليابان ألا تتوقع أن تكسب الكثير من خلال الرقص على أنغام الولايات المتحدة!.