ثقافةصحيفة البعث

في يوم المسرح العالمي.. “مكان آخر” يلخص مسيرة المسرح عبر التاريخ

تحتفل مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة مساء اليوم الأحد على خشبة مسرح الحمراء بيوم المسرح العالمي الذي يحتفي به كلّ المسرحيين في جميع أنحاء العالم، وقد ارتأت المديرية هذا العام أن يكون الاحتفاء من خلال مسرحية بعنوان “مكان آخر” أنجزتها المخرجة المسرحية سهير برهوم خصيصاً لهذه المناسبة،

المخرجة برهوم، وفي حوار مع “البعث”، بيَّنت أنها كانت حريصة على تقديم ما هو خاص بيوم المسرح العالمي من خلال إنجاز هذا العرض الذي تقدّم فيه بانوراما مسرحيّة، لأنها ليست مع تقديم عرض مسرحيّ تقليدي بهذه المناسبة يمكن أن يُقدّم في أي وقت آخر، لذلك لم يكن في ذهنها خيارات أخرى، خاصة وأن هذه الفكرة سبق وأن راودتها منذ سنتين إلا أن أسباباً عديدة حالت دون أن ترى النور، موضحة أن “مكان آخر” يلخّص مسيرة المسرح عبر التاريخ بمشاركة فرقة ميرال للمسرح الراقص، بدءاً من المرحلة الإغريقية، حيث سيتمّ تقديم مقطع من مسرحية “المستجيرات” لأسخيلوس، مروراً بـ”بجماليون” لتوفيق الحكيم، مستفيدة من لعبة المسرح داخل المسرح، مع تقديم مشهد تدمج فيه بين “هاملت” لشكسبير و”هاملت يستيقظ متأخراً” لممدوح عدوان، ومشهد من “بلاد أضيق من الحب” لسعد الله ونوس، ثم سيتمّ الانتقال إلى المسرح الروسي من خلال تشيخوف وتقديم مشهد من “مضار التبغ” الذي تمّ دمجه مع مسرحية “دون جوان” لموليير، ومن ثم مسرح العبث وصمويل بيكيت، وصولاً إلى رائد المسرح السوري أبو خليل القباني وتقديم مشهد حرق مسرحه وبعض المقاطع من “هارون الرشيد وقوت القلوب” ليكون الختام مع محمد الماغوط ومونولوج عامل النظافة من مسرحية “خارج السرب”، مع المرور على “بيت الدمية” لهنريك إبسن و”حكاية جيسون وميديا”.

وأشارت برهوم إلى أنها وبالتزامن مع الحديث عن مرحلة القباني سيرافق العرض فيديو يطلّ من خلاله روّادنا الأوائل في المسرح من كتّاب ومخرجين وممثلين وقفوا على خشبة المسرح، وستُتلى عناوين مسرحياتهم التي اختارها وصاغها المعدّ يوسف شرقاوي بطريقة جميلة تكريماً لهؤلاء الروّاد، وعرفاناً بالجميل سيقف الممثلون أثناء ذلك وهم يردّدون تحية لهؤلاء. ولم تخفِ برهوم أنها كانت تتمنى لو أن فنّانينا الروّاد الأحياء كان بإمكانهم التواجد على خشبة المسرح لإلقاء كلمة يوم المسرح أمام الجمهور، إلا أن هذا الأمر في هذه الظروف صعب، إما بسبب انشغالهم أو لوجودهم خارج القطر، منوهة بأن العرض سيُقدَّم على مدار أربعة أيام لإتاحة الفرصة لمشاهدته من قبل أكبر عدد ممكن من الجمهور.

النصوص الجيدة عملة نادرة

وأكدت برهوم أن من سيتابع “مكان آخر” سيشهد روائع المسرح وأجمل النصوص التي كُتبت من قبل كتّاب تناولوا العديد من الأحداث بشكل عميق، وهذا ما جعلها خالدة ويمكن تقديمها وكأنها مكتوبة اليوم، لذلك يعود إليها المخرجون دوماً رغم أنها كُتِبت منذ عشرات السنين، والأمثلة كثيرة برأيها، في حين رأت أن النصوص الحالية في معظمها قاصرة ولا تعكس المعاناة الحقيقية التي يعيشها الوطن ولا ترقى إلى مستوى الهمّ الحياتي اليومي، عكس تلك النصوص التي كانت قادرة على مواكبة ما يحدث. وكعضو في لجنة قراءة النصوص في مديرية المسارح أسفت برهوم لأن النصوص الجيدة باتت عملة نادرة، وأغلب من يكتب في المسرح يتعامل مع هذا الفن باستسهال: “هل يُعقل أن يُقدَّم نص مسرحي من ثلاث صفحات فقط دون أن يكون الكاتب مدركاً لكلّ المعايير التي يجب أن تتوفر في كتابة النص المسرحي على صعيد الخطوط الدرامية والشخصيات وعلاقتها مع بعضها البعض؟!”، لذلك طالبت برهوم في ظل الاستسهال المرعب في كتابة النصوص المسرحية التي صارت متاحة للجميع مع غياب كل المعايير بضرورة وجود قوانين صارمة وشروط تخضع لها النصوص المُقدّمة للجنة القراءة، دون أن تنفي وجود كتّاب مسرح جيّدين وموهوبين يتمتّعون بالموهبة، ولكن تستغرب من عدم وجودهم في الواقع المسرحي، مؤكدة أن مديرية المسارح والمسرح القومي يبحثان عن هؤلاء وهي تدعوهم لتقديم نصوصهم لأن المسرح بأمسّ الحاجة للنصوص الجيدة.

فن متفاعل مع الحياة

وبيّنت سهير برهوم أن الفن عادةً يسلّط الضوء على العديد من القضايا، ولكن إلى أي مدى يحفّز الناس على التغيير؟ أجابت أن هذا لم يحصل لا سابقاً ولا حالياً، وقد باتت مهمّة المسرح في التغيير مستحيلة في يومنا هذا، مع إشارتها إلى أن المسرح فنّ متفاعل مع الحياة بكل تفاصيلها، وهو ناقل للثقافة من زمن إلى زمن، وفن مهمّ، أهم ما فيه حالة الحب التي يُفترض أن تكون موجودة حتى يُنجز عملٌ من الأعمال، منوهة بأن المَشاهد المنتقاة في “مكان آخر” هي مشاهد الحب، لذلك دعت برهوم إلى ما قاله الراوي في نهاية العرض حين طالب بمدّ يد العون إلى المسرح ليشتغل المسرحيون بحب، وضرورة أن نتمسّك بهذا الفن بكل ما نملك بعد أن تخلّى الكثير من الممثلين عنه وتحوّلوا باتجاه الأعمال التلفزيونية، مؤكدة أننا عندما نلتفت حولنا نجد أن واقع المسرح في انحدار، والسبب سطوة التكنولوجيا والتلفزيون، لذلك هو اليوم لا يعاني فقط من قلّة عدد الممثلين الذين يعملون فيه، بل ومن قلة وجود كوادر فنية لأن الجميع وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة باتوا يبحثون عن أعمال تُقدّم لهم أجوراً مادية يستطيعون أن يعيشوا منها، وهذا ما يفسّر هجرة الجميع باتجاه الأعمال التلفزيونية.

فنّ خالد

وأشارت المخرجة سهير برهوم إلى أنه ورغم كلّ الأزمات التي مرّ بها المسرح عبر التاريخ ظل موجوداً وخالداً بفضل الأعمال الخالدة التي قُدّمَت وكانت الأساس المتين لكل من يعمل في المسرح حتى يومنا هذا، وقد تتلمذ على هذه الأعمال كلّ من درس وعَمِل في المسرح، لكن هذا لا يعني برأيها عدم الخوف على هذا الفن في سورية بسبب حالة العزوف عنه وقلة الكوادر البشرية فيه، وتواضع الإمكانيات المادية التي لا تغري وتدعم إقبال المخرجين والكتّاب والممثلين عليه، موضحة أن المديرية تحرص دوماً على توجيه الدعوات لكل المسرحيين لتقديم أعمالهم على خشبات المسارح، وهناك من لبّى الدعوة وما زالوا مستمرّين في تقديم أعمالهم على خشبة المسرح، وقد أثبتت أعمالهم أن جمهور المسرح كبير بسبب الخصوصية التي يتمتّع بها، وغير الموجودة في أيّ فنّ آخر، وهي قائمة على التفاعل الحيّ بين الجمهور وما يحدث على الخشبة، مشيرة إلى أن البعض حاول تقديم المسرح عبر المنصّات، وهي محاولات سيكون مصيرها الفشل نظراً للخصوصية التي يتمتّع بها والتي تجعله يختلف عن أي فن آخر.

فن باقٍ

وكمخرجة في رصيدها مونودراما “ليلة الوداع” و”أما بعد” و”حياتكم الباقية” و”نجمة الأحلام”، بيّنت برهوم أن لديها العديد من النصوص التي كتبتها في فترات سابقة، إلا أن إدارتها للمسرح القومي شغلتها كثيراً عن تنفيذها، في حين أن التحضير لأي عمل مسرحي يحتاج إلى وقت طويل وتفرّغ غير متوفر حالياً. وختمت حوارها قائلة بمناسبة يوم المسرح العالمي: “أقول وفي قلبي غصّة إنني أتمنى أن يظلّ هذا الفن باقياً، ولكن ذلك لا يتحقق إذا لم ينعشه أهله، لذلك أقول: تمسّكوا بهذا الفن لأن القيمة التي يحملها والمتعة التي يُقدّمها للمتلقي كبيرة جداً، فإذا أنت كفنّان كان يعنيك المتلقي فإن المسرح هو الذي يحقق المتعة له والتي تسعى إليها، لذلك أدعو الجميع لأن يتمسكوا بالمسرح ويحافظوا عليه، كما أدعو الجهات المعنيّة لتقديم الدعم المطلوب له”.

يُذكر أن عرض “مكان آخر” من تمثيل: علي القاسم، وليد الدبس، رباب مرهج، سليمان قطان، روجينا رحمون، سليمان رزق، زهير البقاعي، عبير بيطار، فراس السلوم، يحيى دراوشة، إعداد يوسف شرقاوي، كريوغراف جمال تركماني، تدريب فرقة ميرال للمسرح الراقص محمد طرابلسي، موسيقا المايسترو نزيه أسعد، سينوغرافيا كنان جود، إضاءة بسام حميدي، تصميم أزياء ومكياج انجي سلامة، تصميم إعلان أدهم إسماعيل.

أمينة عباس