الرضى والقبول
عبد الكريم النّاعم
قال له صديقه: “أنت تكتب، وتنشر، ولك قراؤك، وقد سمعتُ ملاحظة من أحد الأصدقاء المشترَكين، خلاصة ما قال إنّك في الآونة الأخيرة، تتجنّب النقد، والإشارة إلى مواضع الخلل، فتكاد تكون مواضيعك افتراضية، أو شبه افتراضيّة، وفي هذا انفصال، بطريقة ما عن الواقع”.
صمت قليلاً وقال: “لقد كتبتُ الكثير من الانتقادات، ولم يكن هدفي النّقد أو التجريح، بل الإشارة إلى مواضع الخلل، ولقد وصلتُ في كثير من الحالات إلى حدّ أنّه لم يبقَ شيء ممّا تمكن الكتابة فيه إلاّ وتعرّضتُ له، بروح إيجابية، وبكثير من الألم الذي كنتُ أخفيه، فالناس لا ينقصهم آلام..”.
قاطعه: “هل تريد القول إنك راضٍ عن المجريات”؟!!.
أجابه: “مَن هو الذي يرضى بالفساد والإفساد، وغياب الكهرباء، وغلاء الأسعار الذي ما يكاد يجد مَن يضع حدّاً له، أو يوقفه عند حدّ؟!! وهنا أرى من الضروري التفريق بين مفردة “رضى” و”قبول”، فأنت قد تقبل بالأمر الواقع لأنّه قائم، ولا يد لك فيه لا سلباً ولا إيجاباً، ورغم ما فيه من المؤذيات، والمنغصّات، والقهر، وافتقاد أبسط المقوّمات الحياتية التي هي سمة من سمات العصر، رغم هذا فأنت (تقبل) بذلك لأنّه ليس ثمّة خيار آخر، ولكنّ هذا لا يعني أنّك (راض) به وعنه، بل أنت في قرارة نفسك تتمنى لو تغمض عيناً وتفتح أخرى لترى الأمور وقد خرجت من مآزقها وعادت إلى بعض ما كنّا عليه قبل اندلاع الخراب الإخواني الداعشي، بيد أنّ المسافة بين هذا وذاك شاسعة، وصعبة، ومليئة بالألغام التي زُرعت بحرَفيّة وخبث، وهنا لا بدّ، إذا أردنا أن نكون صادقين من الإشارة إلى تكالب الدول التي اشتركت في الحرب الظالمة على سوريّة، وهذا ليس دفاعاً عن تقصير، ولا تبْرئة لمن يستطيع فعل شيء إيجابي ولا يفعله، للتخفيف عن العباد، وخدمة للبلاد التي وضعتُه في مكان ما مؤمّلَة منه أن يكون النموذج المُبتَغى، فكان غير ذلك.
لا أُنكر أنّ في مفردة “القبول” شيئاً من القسر والغصب، وربّما لم تخرج عن نطاق “ليس في الإمكان أبدع ممّا كان”، بما في الجملة من ضبابيّة هي أقرب للتسليم، و”التسليم” كما تعرف كم أوقع من الأمم في ظلمات بعضها فوق بعض كما حدث للعرب فترة الاحتلال التركي الذي دام أكثر من أربعمئة سنة.
لاحظ أنّه في مواقع الرفض والمقاومة فوق الأرض العربيّة، في سوريّة، وفلسطين المحتلّة، واليمن المدمَّر، ثمّة رفض لإرادة المركزيّة الأمريكية الصهيونية، ودليله استمرار المقاومة لمنع العدو من تحقيق النصر الذي يريده، والذي يتلخّص في الذهاب إلى تل أبيب، والاتفاق معها، بما تريده هي لا بما يتناسب مع الحسّ الوطني، وفي هذه الحالة فإنّه لا “قبول” ولا “رضى” بل هو رفض بالدم والمال، ولقمة العيش لرغبة الغزاة المحتلّين.
“الرضى” هذه المفردة استحضرت إلى ساحة ذاكرتي أنّه حالة من أعلى حالات الصوفيّين والحكماء الإلهيّين، وهو رضى بما يفعله عادل، قادر، لا يحيف “ولا يَظلمُ ربّكَ أحدا”، أما في غيره فإنّ ما يعتوره من نقص يوجب الرفض، والخروج، لدرجة التضحية بالنفس والمال، من أجل تحقيق حالة في المجتمع هي أرقى من سابقتها، وأكثر ضماناً لكرامته، تلك الكرامة التي ذكرها الله في قرآنه الكريم “ولقدْ كَرَّمْنا بني آدم”، فأين هذا التكريم من مجريات ما تقوم به قوى الشر والعدوان؟!!”.
نعم في القبول شيء من التعامل مع الواقع، إذ لا خيار آخر، أمّا الرضى فشيء آخر.
aaalnaem@gmail.com