عواقب الحرب الاقتصادية …. تضخم وبطالة وفي النهاية إنهيار في أوروبا والولايات المتحدة
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
مع إرتفاع أسعار النفط والبنزين والغاز الطبيعي في جميع أنحاء العالم، يبدو أن العالم بأسره وصل إلى مفترق طرق رئيسي في التاريخ، ومن المحتمل أن يؤدي إلى إنهيار اقتصادي هائل في أوروبا والولايات المتحدة والعالم.
على الأرجح، ستوجه كارتل الدول الغربية، اللوم لروسيا فيما يتعلق بالمصاعب الاقتصادية الإضافية التي ستصيب مجتمعاتها بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، تماماً كما ألقت باللوم حول المصاعب الاقتصادية التي عانى منها العالم على مدى العامين الماضيين على الجائحة المدبرة.
ومع ذلك، فمن الضرورة بمكان، الإشارة إلى أن أزمة الطاقة الاقتصادية لم تحدث فجأة، كما أن وصول أسعار الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة ليس مرتبطاً بحدث واحد.
اندلعت أزمة الطاقة منذ فترة طويلة بسبب سلسلة من الأحداث العنيفة التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها للسيطرة على إمدادات الطاقة والموارد في جميع أنحاء العالم، إذ دفعت جرائم الحرب التي اُرتكبت بحق الدول المنتجة للنفط مثل العراق وليبيا منذ ما يزيد على عقدين، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية المشددة على الدول الرئيسية المنتجة للنفط مثل فنزويلا وإيران وروسيا، العالم إلى حافة الانهيار الاقتصادي. ومن الواضح، أنه لا يمكن اعتبار كل هذه الأعمال الإجرامية إلا حروباً للحصول على الموارد، بسبب انخفاض إمدادات الطاقة الخاضعة لسيطرة الدول الغربية.
من سورية إلى أوكرانيا
أتت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بعد سلسلة من الأحداث العنيفة في أوكرانيا التي بدأت بثورة ملونة مدعومة من الغرب وأدت بعد ذلك إلى الانقلاب والإطاحة بحكومة يانوكوفيتش المنتخبة في عام 2014.
حيث شهدت السنوات الثماني التالية للانقلاب، قيام الحكومات الأمريكية والبريطانية والكندية والأوروبية بتسليح وتدريب وتمويل عناصر عنيفة داخل الجيش الأوكراني، والذي أطلق العنان بعد ذلك لحرب الإبادة الجماعية على السكان الناطقين بالروسية في منطقة دونباس.
كانت العملية الممولة من الغرب في أوكرانيا، شبيهة جداً بالعملية التي شنتها الدول الغربية على الشعب السوري في عام 2011، والتي دفعت روسيا في النهاية إلى التدخل بحلول عام 2015 ومساعدة الحكومة السورية. فبعد أن قام الإرهابيون المدعومون من الغرب بارتكاب المجازر، تدخلت روسيا خوفاً من وصول الغزو الإرهابي المدعوم من الغرب إلى أراضيها.
من الواضح، أن الفرق الوحيد بين العمليات التي نفذتها الدول الغربية في أوكرانيا، وتلك التي قامت بها في سورية، هو أن الانقلاب الغربي المدبر في أوكرانيا عام 2014 كان ناجحاً، في حين أن المحاولة الإرهابية لتغيير نظام الحكم في سورية لم تنجح. ومع ذلك يحتل الجيش الأمريكي بشكل غير قانوني مناطق إنتاج النفط في شرق وشمال شرق سورية، حيث يتورط في السرقة اليومية للنفط السوري، بالإضافة لفرضه عقوبات خانقة تسببت بتدمير إمدادات الحبوب وبصعوبات اقتصادية كبيرة على الشعب السوري.
في أوكرانيا، حيث يمر العديد من خطوط أنابيب الغاز الروسية إلى أوروبا، فعل الغرب بالضبط ما كان يخشاه الروس، حيث قاموا بتسليح وتدريب وتمويل النازيين الجدد المتطرفين وتعبئتهم لممارسة الإبادة الجماعية، واستهداف الناطقين بالروسية.
بعد كل ذلك، أثبت الروس أنهم لا يعبثون، وأنهم في غاية الجدية في حماية أنفسهم من العمليات الإجرامية التي تنفذها الاستخبارات الغربية، العلنية منها والسرية.
جدير بالذكر، تلعب كارتل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لعبة شديدة الخطورة، إذ تواصل سياستها الخارجية الإرهابية العدائية، المتمثلة في تسليح وتمويل جيش إرهابي ضد الجيش الروسي. وعلى الرغم من أن قوات الناتو غير متواجدة على الأرض في أوكرانيا، لكن المليشيات الوكيلة التي قامت بتسليحها وتدريبها منخرطة بشكل مباشر.
لقد ذهبت البلدان ضمن هذا التحالف المجنون، مثل أستراليا، إلى حد الضغط من أجل فرض الرقابة والعقوبات على أي شخص يقدم معلومات صادقة ودقيقة لصالح الجانب الروسي. ويبدو أن الحكومة الأسترالية لا تعتقد أن القوميين المتطرفين والنازيين الجدد في أوكرانيا موجودين وأن 15000 حالة وفاة مدنية في منطقة دونباس وهمية! لذا فمن المرجح، أن تتبنى كارتل ودول الناتو الإنكار والرواية الكاذبة التي تتبناها أستراليا.
ولهذا، بعد إمعان النظر في ما حدث، بينت السنتين الأخيرتين من التفويضات القمعية والديكتاتورية التي قامت بها الحكومات الغربية لوباء كاذب، المدى الذي وصلت إليه الحكومات الغربية المستبدة والقمعية. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه حتى مع الانخفاض الملحوظ على طلب الطاقة خلال العامين الماضيين، استمرت أسعار البنزين في الارتفاع. ومع ذلك، نحن الآن على أعتاب الانهيار الاقتصادي مع اختفاء الوباء المزعوم.
طوال هذا الوقت، تفرض الدول الغربية ذات العقلية التي تدفع الأمة إلى التدمير الذاتي أخلاقياً وسياسياً واقتصادياً، عقوبات على الدول المستقلة التي تورد الطاقة، وتقوم علانية بتزويد الإرهابيين الذين تدعمهم كارتل الدول الغربية بالأسلحة خاصة ضد روسيا، ما يقود إلى انتحار جماعي ويدفع العالم إلى مفترق طرق.
الطاقة وأوروبا
سيستمر ثمن تدخل الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا منذ عام 2014 إلى جانب العقوبات الاقتصادية ضد روسيا في الظهور في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة، وهو ما سيجلب المصاعب على المواطنين الأوروبيين بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم الشامل، والبطالة وندرة الغذاء، وفي النهاية ثورة السكان. هذه هي العواقب المباشرة المترتبة على الحرب الاقتصادية والإرهابية السرية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا.
أطلقت أوروبا والولايات المتحدة النار على نفسيهما بسبب اعتقادهما، أنهما في موقع قوة ونفوذ كبير وتفوق على روسيا، وهو مجرد غطرسة تفوق ليس أكثر، لأن كلاً من أوروبا والولايات المتحدة تعتمدان على النفط للحفاظ على اقتصاداتها، خاصة أوروبا التي تعتمد على روسيا في جزء كبير من إمداداتها، إذ تصل إمدادات الغاز القادمة إلى الاتحاد الأوروبي من روسيا إلى40٪.
وللإشارة، فإن الحكومة الروسية لم توقف إمدادات الغاز عن أوروبا حتى الآن، على الرغم من فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على روسيا.
كما إن الازدياد المطرد في أسعار الطاقة ليس خطأ روسيا، إذ تواصل روسيا إيصال إمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا، بينما الولايات المتحدة التي تحتفظ بتأثيرها الديكتاتوري على أوروبا، تقود الحرب الاقتصادية على روسيا، والتي تشمل وقف أو عرقلة جميع خطوط الطاقة المستقبلية التي لا تسيطر عليها من الوصول إلى أوروبا.
من الرابح من الحرب
كانت مشاكل الطاقة في أوروبا ستختفي بين عشية وضحاها لو لم تشارك الولايات المتحدة، فقد اكتمل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم2” الممتد من روسيا إلى ألمانيا، وهو جاهز لتزويد أوروبا بالطاقة، لكن المشروع يواجه معارضة سياسية قوية من الولايات المتحدة لشريكتها الأوروبية التابعة، ألمانيا، ولا تزال إيران تنتظر إبرام صفقات في مجال الطاقة مع أوروبا ولكن الحكومات الأمريكية المتعاقبة التي عزلت إيران من دورها كمزود للطاقة إلى الغرب، ترفض ببساطة التعاون مع الإيرانيين وتعرقل المشروع، كما أنها فرضت المزيد من العقوبات عليها.
بالإضافة إلى ذلك، كانت ليبيا مزوداً كبيراً ومستقلاً للنفط والغاز لأوروبا، وذلك حتى دمرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الدولة بأكملها وعطلت خطوط إمداد الطاقة إلى أوروبا .
في الوقت الحالي، يتم تعزيز ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا من خلال محاولة يائسة من الحكومات الأمريكية لإبقاء أوروبا تحت سيطرتها من خلال التحكم بالطاقة، حيث تجعل بطريقة ملتوية، خطة الغاز الطبيعي المسال الأمريكية ميسورة التكلفة، على الرغم من أن الغاز الأمريكي أغلى بثلاث مرات من الغاز الروسي.
اليوم يتمثل الهدف الرئيسي للإدارة الأمريكية بإبقاء أوروبا تحت سيطرتها السياسية والاقتصادية. ومع ذلك، إذا استمرت أوروبا في شراء الغاز والنفط الروسي الأرخص ثمناً مع استمرار التجارة الاقتصادية مع الروس، فستجد الولايات المتحدة نفسها قد تقلصت من شريك مهيمن، إلى شريك غير ذي صلة. لذا، لابد لدول أوروبا من الوقوف جنباً إلى جنب ضد البلطجة الأمريكية والتطلع إلى النجاة.