متحف الطب والعلوم في عهدة إهمال وزارة الثقافة ومديرية الآثار والمتاحف..!
دمشق – لينا عدرة
غبار، وأوساخ، وخيوط عناكب، داخل خزائن تحوي قطعاً أثرية في متحف الطب والعلوم، فضلاً عن الكثير من المشكلات التي تحتاج إلى حل فوري حفاظاً على متحف اعتبر من أوائل المشافي في العالم التي عالج أطباؤها الأمراض الجسدية والنفسية بالموسيقا، كالفارابي الذي عمل هنا، وألّف أهم كتبه، إضافة إلى تخريجه عشرات الأطباء من سورية والعالم.
يبدو أنه ليس المتحف الوحيد الذي يعاني من الإهمال، بل إن المتحف الوطني الذي يعتبر الأكثر مركزية يفوقه إهمالاً، حسب ما صرحت أمين متحف الطب والعلوم ورود إبراهيم في حديث لـ “البعث” لتؤكد الحالة المزرية للمتاحف.
وبينت إبراهيم أنه سرعان ما ينتاب أي زائر لمستودعات متاحفنا الذاخرة بقطع أثرية كفيلة بفتح آلاف المتاحف، الشعور بالخوف والقهر، فالمشكلة ليست فقط بقلة النظافة والاهتمام، وإنما أيضاً بالأوساخ والعناكب والحيوانات الميتة والجرذان، إضافة لهبوط مخيف يلزمه معالجة فورية يعاني منه المتحف الوطني بسبب تماسه مع نهر بردى، ما أدى لتعرّض بعض القطع الأثرية للكسر بسبب ميلان الأرض فيه.
وإذا ما تحدثنا عن قسم الآثار الإسلامية في المتحف، فالوضع – حسب إبراهيم – أكثر من مأساوي، والحجة عدم توفر السيولة، وما علينا بالتالي إلا انتظار منحة مالية خارجية، مشيرة إلى أنه في مثل هذه الحالة لا يتم استثمار هذه المنح بشكل سليم، إذ أنه غالباً “ما بياخدوا ثلاث أرباعها وبيشتغلوا بالباقي”.. هذا فضلاً عن قسم الآثار الكلاسيكية الذي استبدلت أرضيات رخامه ذات الجودة العالية بأخرى رديئة..!
وأشارت إبراهيم إلى أن التقصير يشمل كل المتاحف، بدءاً من طريقة عرض القطع الأثرية في خزائن تعاني كميات كبيرة وخطيرة من الغبار والأوساخ، وصولاً للبطاقة التعريفية، منوّهة إلى أن الزائر لن يعرف قيمة القطعة الأثرية إذا لم يتعرّف على قصتها، مستبعدة المسؤولية عن أمين المتحف، لأنه غير قادر على فتح خزائن العرض إلا إذا كان هناك فريق تنظيف، لأن فتح الخزائن مسؤولية كبيرة..!.
ونوهت إبراهيم إلى غياب ثقافة النظافة لدينا، وهي إحدى أبرز مشكلات متحف الطب والعلوم، فمحطات “تدمر مدينة الشمس” خير مثال على انعدام النظافة والاهتمام، وغياب التخديم، مشيرة إلى أنه لا علاقة للحرب بهذا الأمر لأن الخلل قديم..!
وبالعودة لمتحف الطب والعلوم بيّنت إبراهيم أنه ومنذ افتتاحه بداية عام 2018 لم يتم تبني أية فكرة لإعادة الدور الحيوي له، مستهجنة أن يتم ذكر أمور تافهة كصحن سيكارة وممسحة في السجل الأثري، إضافة للوحات غير أثرية مهترئة..!
وأشارت إلى رفض مديرية الآثار لتصميم بطاقة متحفية لا تُكلف الدولة أي مبلغ، بل على العكس لها عائد مادي، وأكدت إرسالها للكثير من الكتب لإعادة تفعيل إقامة مؤتمرات طبية في المتحف بما يتيح فرصة تعريف العالم بمستوى الطب في سورية في تلك الفترة، خاصة مع توافد أكثر من طبيب جراح للمتحف للتعرّف على أسلوب الطب الذي كان متبعاً فيه، ليكون مصيرها الرفض كغيرها، لافتة إلى حاجة المتحف لكادر يتضمن مهندساً زراعياً للاهتمام بالحديقة وبالأعشاب الطبية فيها، والتي إذا ما تم استثمارها سيكون لها دور في جذب السياحة الداخلية لدورها في تقديم العلاج، مستغربة رفد دائرة دمشق القديمة المجاورة لهم بثلاثة مهندسين زراعيين، وليست لديهم زراعة أصلاً، مؤكدة أن الخلل كبير ومقصود.
كما أن المتحف بحاجة لمهندسين مدنيين ومعماريين، ومرمم، خاصة مع التسرب الحاصل في أسطح البناء الذي أثر على الرسومات الهامة التي تتساقط في باب المدخل، وضمن البناء، مع ضرورة ترميم البراد الطبي القديم “الذي نخره السوس”، منوّهة في حديثها إلى تشويه مدخل وواجهة المتحف الأثرية بسبب توقف الدراجات النارية العائدة لدائرة دمشق القديمة أمامه، علماً أنها “أي الدائرة” هي المعنية بضبط مخالفات المواطنين في دمشق القديمة.
وشددت على ضرورة الاستفادة من تجربة العراق، وأرشفة المباني الأثرية بطائرات هليكوبتر، ولاسيما إذا ما علمنا أن متحف الطب والعلوم يعد سراً من الأسرار نظراً لما يحتويه من قطع أثرية طبية نادرة، كقميص طبي لا يوجد منه في العالم إلا سبعة فقط استُخدم للأمراض النفسية، إضافة لطاسات الرعبة ومدلولاتها الطبية والعلمية، وعلم الرقم.
ولفتت إلى أن المشفى يرجع للقرن الحادي عشر الميلادي، وأن العناصر المعمارية فيه أقدم من ذلك وتعود للحضارة السورية في الفترة الرومانية، ما يدل على أنه كان معبداً للشفاء في تلك الفترة.
وكشفت إبراهيم أن هناك قصة تفسر سبب اختيار هذا المكان لبناء المشفى، حسب ما تقول إحدى الروايات، حيث تم وضع قطعة من اللحم مدة 15 يوماً تقريباً بقيت محافظة على وضعها، والمعروف أن جرح الإنسان بحاجة إلى 15 يوماً ليلتئم، ما يدل على أنه مكان صحي، خاصة أن البناء مصمم للموسيقا، ومجهز لعزل الصوت.