الوضع المعيشي مع قدوم شهر رمضان.. هل تلتقط الحكومة الفرص المتوفرة؟
دمشق- فاتن شنان
لعل أكثر ما ينتظره الشارع السوري من الحكومة قبيل بدء شهر رمضان المبارك هو تحرك فاعل ومجد لتحسين الوضع المعيشي في ظل موجة الغلاء المستفحلة، والقيام بدورها إن كان لجهة رفع القدرة الشرائية للمواطنين، أو للجم جماح الأسعار الملتهبة في الأسواق، وتوفير المواد الغذائية الأساسية، فعلى الرغم من الإحباط السائد من مجمل قراراتها الصادرة سابقاً التي لم تثمر عن أي تحسن ملحوظ على أحوال الناس المعيشية، إلا أنهم يعوّلون على خصوصية هذا الشهر الفضيل، وضرورة التحرك بكافة الاتجاهات لتوفير مستلزماته، وتخفيف العبء الذي يفرضه التجار والمحتكرون في كل عام، لعل وعسى تنجح في اقتناص الفرصة الأخيرة للتخفيف قدر الإمكان على المواطن محدود الدخل المثقل بالأزمات والفقر.
فقط جباية
فعلى مدى سنوات طويلة والحكومة تعقد اجتماعاتها تحت عنوان “تحسين الوضع المعيشي”، لكن النتيجة لم تكن إلا مزيداً من التدهور المعيشي والغلاء الفاحش، ولم تفلح بإصدار أي قرار يصب بمصلحة المواطن، بل اتسمت قرارات الفترات السابقة بالجباية من جيوب المواطنين كرفع قيم الضرائب، وتطبيق قوانين تستهدف ما تبقى من ممتلكات المواطنين كقانون البيوع العقارية والإيداع المصرفي الملزم لكافة عمليات البيع والشراء، ما أصاب القطاع العقاري بالركود، وتعطيل دوران رؤوس المال، قابلتها ارتفاعات ملحوظة في قيم الفواتير المحصّلة من كافة الخدمات سواء الجيدة منها أو الرديئة، ليكون الهدف الأساسي الجباية دون النظر إلى جودة تلك الخدمات، على سبيل المثال فواتير شبكتي الأنترنت والكهرباء اللتين يمكن اعتبارهما من أسوأ الخدمات المقدمة، إذ رغم الانخفاض الشديد في التغذية الكهربائية المقدمة للمواطنين بشكل غير مسبوق، كانت المفاجأة بارتفاع ملحوظ في فواتير هذه الخدمات، فقد اشتكى المواطنون من ارتفاع قيم الفواتير المحصّلة منهم، لاسيما في الأشهر الماضية التي لحظت انخفاضات كبيرة جداً، تلتها قرارات مباشرة كتطبيق آلية رفع الدعم الذي أثر بشكل مباشر بارتفاع أسعار المواد الأساسية كالمحروقات والمواد الغذائية والنقل، إلى جانب تدخل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بقرارات وتصريحات أدت لرفع أسعار السلع إلى ضعفين أو أكثر في الأسواق، ما فسح المجال لفقدها من السوق النظامية ووفرتها بالسوق السوداء.
دعم وهمي
الكثير من خبراء الاقتصاد أبدوا استياءهم من آليات المعالجة الحكومية للوضع المعيشي، والتي شكّلت سبباً مباشراً لما آل إليه الوضع الاقتصادي بقرارات غير متناغمة وفجائية أربكت المواطنين، وعرقلت الإنتاج المحلي، ما أدى لتدهور الأوضاع أكثر من السابق، ما يتطلب ضرورة تحديد التوجه الأساسي لإنعاش الاقتصاد، بحسب الدكتور زكوان قريط الذي أكد في تصريح لـ “البعث” أن نقطة الانطلاق تبدأ من القطاع الزراعي، لاسيما في الأزمة الحالية نظراً للتخوف من قلة السلع الغذائية، الأمر الذي يقتضي دعم القطاع بما يضمن استقرار القطاعات الأخرى.
كذلك أكد خبير زراعي أن تأمين أسعار مناسبة للفلاحين لاستجرار محاصيلهم كفيل باكتفاء الأسواق من المواد من جهة، وتقليص فاتورة الاستيراد من جهة أخرى، لاسيما أن الإنتاج سيكون وفيراً في هذا الموسم، وعليه يجب على الحكومة تحديد أسعار منافسة للمحاصيل الاستراتيجية من قمح وقطن وغيرهما لهذا العام لتضمن استلام كافة الكميات، ورصد ميزانية كبيرة تستطيع من خلالها رفع السعر أكثر من مرة خلال الموسم تماشياً مع التقلبات السعرية، وتحفيزاً للفلاحين بالالتزام الكامل، لاسيما أنه مهما بلغت الكلفة النهائية ستبقى منخفضة مقارنة بأسعار الاستيراد من الخارج.
ثقيلة على السمع!
من الملفت عدم رغبة بعض خبراء الاقتصاد بالخوض في نقاشات حول آليات المعالجة لتحسين الوضع المعيشي بشكل سريع يتناسب مع شهر رمضان ليقينهم أن الحكومة لم تعد قريبة من الواقع، ولا تستطيع وفق آليات تفكيرها أن تجترح حلولاً مجدية، ليتساءل أحدهم: هل نأمل من هذه الحكومة ما يصب في مصلحة المواطنين، وهذا الواقع صنيعتها؟!.
سيمفونيات “ثقيلة الدم” لمحاولاتها وجهدها في ضبط الأسواق والأسعار، بينما في الواقع، كل اجتماع لها تعقبه موجة ارتفاع أسعار حتمية (الاجتماع لرصد ومواجهة آثار الحرب الروسية الأوكرانية أنموذجاً)، وعلى التوازي لم تفلح في كافة قراراتها في خلق أي ردع أو ضبط سوى ردع المواطنين عن شراء احتياجاتهم لتزيد الطين بلة!.
دعم ممزوج!
وعلى حد توصيف أحد الخبراء، توجّهت الحكومة لمسار الدعم الممزوج بالفقر عبر تقديم قروض استهلاكية على أنها خدمات اجتماعية ودعم لذوي الدخل المحدود، رغم أنها لا تغني ولا تسمن من جوع، بل تزيد الفقير فقراً، وترفع نسبة العبء المعيشي، وخير مثال على ذلك قرض المواد الغذائية من السورية للتجارة الذي أصبح محط تندر وسخرية بين المواطنين، لاسيما أن قسطه يقارب ٤٠ ألفاً، أي ما يمثّل ثلث الراتب الشهري تقريباً من جهة، وهو يوازي قسط قرض من مصرفي التسليف الشعبي والتوفير مقداره ثلاثة ملايين ليرة، فهل يكون الحل بإغراق المواطنين في دوامة الأقساط لمدة عام لتأمين غذاء لشهر واحد؟!.
وأضاف الخبير بأن الحكومة لم تكتف بإسقاط المواطنين وقدرتهم الشرائية من حساباتها، بل تصدر قرارات تتناسب وأرباح التجار، وتتكفل بحمايتهم من الخسائر، وهو المسار الوحيد الذي تجتمع حوله كافة الوزارات، فوزارة السياحة، مثلاً، وافقت على رفع الخدمات المقدمة في المقاهي والمطاعم بزيادة على الأسعار بنحو 20% لتكون سندويشة الفلافل بـ 1500 ليرة، والبطاطا 2000 ليرة، ومادة المسبحة بـ 7000 ليرة، وهي أكلات شعبية لطالما كانت الملجأ الآمن للمواطنين من غلاء الأسعار!.