مجلة البعث الأسبوعية

وصفة علاجية لتحسين الواقع المعيشي..عدم تمويل أي مستورد..تعويض الأسر المستحقة للدعم بمبلغ نقدي..السماح لأصحاب الحسابات بالقطع الأجنبي استخدامها بتمويل المستوردات

البعث الأسبوعية –المحرر الاقتصادي

لم يعد المواطن يستهجن الارتفاع الآني للأسعار، وسط عجز حكومي لافت عن الإيتاء بأي إجراء أو مبادرة تخفف من حدة الضغط المعيشي -ليس اليومي- بل اللحظي المستمر بشدته، وكأن الأمر لا يعني الحكومة لا من قريب ولا من بعيد..!.

تقصدنا ذلك لأن..!.

تقصدنّا حقيقةً عدم التواصل مع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك للحديث في هذا الشأن، وذلك لاعتبارات، أولها أنها بصورة الوضع بدليل تصريحات وزيرها عمرو سالم التي تعجّ صفحات التواصل الاجتماعي ويؤكد فيها الارتفاعات المتتالية للأسعار، وثانيها أنه سرعان ما يتحدث مسؤولو الوزارة عن عدد الضبوط المنظمة بحق المخالفين، لدى سؤالهم عن واقع السوق، وكأنهم بذلك يرفعون العتب عنهم، ويذرون الرماد بالعيون “على مبدأ اعملنا ما علينا”، علماً أن أثر هذه الضبوط يقارب الـ0% على أرض الواقع..!.

أفكار

فضلنا هذه المرة فرد حيز الحديث لخبراء الاقتصاد، لنعرف ما بجعتهم من مبادرات وأفكار كفيلة بالحد من فوضى الأسعار والأسواق، ولعلّ تساؤل الخبير الاقتصادي المصرفي قاسم زيتون.. “ماذا بعد..؟ المقتضب شكلاً، الكبير مضموناً، الذي طرحه على خلفية ما ألمّ بالمواطن والاقتصاد معاً، يلخص واقع الحال بدقة، والأهم أن الإجابة على هذا التساؤل جاءت ذاخرة بحلول تستحق الأخذ بها.

من غير المعقول

انطلق زيتون بإجابته من عدم معقولية أن لا تستقر الأسعار ولو ليوم واحد، واستمرار حركتها باتجاهالصعود دون معرفة الأسباب، مؤكداً بذات الوقت أن التأثر بالحرب الروسية الأوكرانية أمر مفروغ منه شأننا في ذلك شأن جميع دول العالم خاصة وأننا المنطقة الأكثر تأثراً بالحدث ولاسيما لجهة ما رافق هذا الحدث من ارتفاع الأسعار عالمياًبالتوازي مع شح الكثير من المواد وخاصة الغذائية مما ينذر بمخاطر كبيرة تتمثل في أزمة غذاء عالمية.. ولكن –بحسب زيتون- هذا لا يستدعي بطبيعة الحال ارتفاعات مستمرة ومضطردة لمجرد مرور الزمن دون وجود تغييرات تستدعي ذلك في زمن قصير لا يتجاوز اليوم الواحد..!.

ننفرد عن العالم..!.

أضاف زيتون أنه إذا ما حولنا معرفة الأسباب المؤدية لذلك، نجد أننا ننفرد عن العالم بعنصرين رئيسيين،أولهما سوء إدارة الملف الاقتصادي من قبل الحكومة، والثاني هو الثقافة المتجذرة في عقلية التاجر السوري في اقتناص الفرص لتحقيق أرباح متصاعدة وعدم تنازله حتى ولو عن جزء يسير من نسب أرباحه مهما كانت الظروف التي تستدعي ذلك، مشيراً إلى أنه ومن خلال مراقبة الأسواق نجد انتشار ظاهرة الاحتكار بشكل لم نعهده من قبل، معتبراً أن حجج التجار بأن ندرة أو قلة المعروض من بعض السلع الاستهلاكية مرده إلى تهافت الناس على الشراء بكميات تزيد عن الحاجة، ما هي إلا حجج واهية، لأن تأثير ذلك في هذه الحالة يكون بسيطاً ولا يصلإلى درجة فقدان بعض المواد من الأسواق، لأن مخازن التجار وبكل فئاتهم فيها الكثير من هذه المواد وهي لا تطرح في الأسواق إلا بعد دراسة التكاليف العالمية الجديدة وضمان استيراد البديل منها وتسعيرها على أساس تكلفة استيراد البدائل، لا على دراسة تكاليف استيراد تلك المواد،عدّ زيتون أن هذا الأمر -وبكل شفافية- سرقة بكل معنى الكلمة، وبالتالي لا بد من معالجة هذه المشكلة وبالسرعة المطلوبة حتى لا نصل كعادتنا إلى مرحلة العجز بسبب حكمتنا الزائدة والتروي في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.

مقترحات

ولأننا وباعتراف الشعب السوري بأكمله وبكافة شرائحه بعجز الحكومة عن التحكم بالأسواق ولو جزئياً ومهزلة التدخل الإيجابي التي تغنت بها الحكومة ومازالت، فلا بد–بحسب زيتون- والحالة هذه، إلا أن ننطلق في اتخاذ آليات معالجة مختلفة انطلاقاً من هذا العجز لأننا ننطلق من واقع وليس شعارات وأوهام، ليخلص بالنتيجة إلى مقترحات عدة، أولها.. حرية تامة للأسواق، وتحرير حركة الاستيراد على مبدأ السماح باستيراد كل شيء ما عدا الممنوعات ولمن يريد الاستيراد، وعدم التدخل في التسعير، وترك السوق ليتوازن لوحده بما في ذلك الأسعار التي ستحددها المنافسة.

ثانيها.. عدم تمويل المركزي لأي مستورد مهما كانت طبيعة المواد المستوردة إلا في حالات خاصة جداً ومحددة كأغذية الأطفال وكافة المستوردات الخاصة بالسورية للتجارة.

ثالثها..إلغاء الدعم بكافة أشكاله، وتعويض الأسر المستحقة للدعم بمبلغ نقدي يقابل هذا الدعم.

رابعها.. تفعيل دور السورية للتجارة من خلال استيراد مواد محددة لصالحها لتبقى مساهمة كحالة توازن في توفير المواد الضرورية ولو كانت الأسعار قريبة من الأسواق بشكل كبير.

خامسها.. اعادة النظر في آلية دعم الإنتاج بشقيه الزراعي والصناعي بحيث يضمن عدالة الدعم من جهة،ويوفر مستلزمات الإنتاج الزراعي لضرورتها في المرحلة الحالية وإعطائها الأولوية وخاصة فيما يتعلق بموضوع توزيع الطاقة الكهربائية، وكذلك توفير المازوت الزراعي وبسعر مدروس بحيث لا يرهق الخزينة من جهة ثانية، لأن دعم الزراعة هو السبيل الوحيد لينقذنا من مجاعة قادمة يجب أن نتحوط لها وبجدية كبيرة، وعلينا توقع أسوء الظروف حتى ننجوا لأن التفاؤل ليس هنا مكانه.

خامسها.. قيام المصرف المركزي بخطوات من شأنها زيادة الاحتياطي من القطع الأجنبي وذلك من خلال الحفاظ على الموجود وزيادته بشكل مضطرد عن طريق التوقف عن تمويل المستوردات، واستبدال بعض الرسوم بالعملة الصعبة كرسوم المغادرة للمسافرين، وكذلك رسوم السيارات المغادرة والداخلة الى القطر، إضافة لإعادة النظر في تسعيرة الحوالات الخارجية وبسرعة قبل دخول شهر رمضان لتصبح قريبة من السوق الموازي، منعاً من ضياع أي مبالغ ولو بسيطة بالتحويل خارج القنوات الرسمية تهرباً من فرق السعر.

سادسها.. قيام الحكومة بتشكيل مجلس استشاري من المعارضين لقرارات الحكومة موازياً للمجلس الاستشاري الموجود حالياً، وعرض القرارات مع الخلافات في الرأي على الإعلام وبشفافية قبل اتخاذ هذه القرارات، وبالتالي يصبح من مهام الحكومة صنع معارضيها بالتوازي مع صنع مؤيديها لأن المصفقين لهم دور كبير في صنع القرار، لأن البعض من بطانة الحكومة غايته رضاها، والبعض الآخر يتم اختياره أصلاً كشخص مضمون الولاء سلفاً، وقد لمسنا في كثير من الحالات اختيار العديد من الشخصيات كمكافأة لهذا الولاء.

سابعها.. لا خيار عن معالجة الرواتب وبشكل يضمن الحد الأدنى من تأمين متطلبات الأسرة الأساسية وبأي شكل حتى ولو كانت المعالجة عن طريق زيادة الإصدار النقدي، لأن عيوب ومخاطر هذا الأسلوب هو أقل بكثير من العيوب والمخاطر الناتجة عن تدني الرواتب بوضعها الحالي، طبعاً هذا لا ينفي أن تكون هناك وسائل مساعدة لتأمين رفع الرواتب وتحرير الأسواق وضمان حرية التجارة من شأنه أن يشكل رافداً مهماً للخزينة العامة مع المضي قدماً بتحقيق التحصيل الضريبي العادل .

اقرأوا التاريخ

في ذات السياق فضّل الاقتصادي عامر شهدا العودة إلى مرحلة  ثمانينات القرن الماضي عندما تعرض الاقتصاد السوري لأقصى العقوبات–وذلك من منطلقمن لا يقرأ التاريخ لا يمكن ان يرسم المستقبل- موضحاً أن سورية كانت تفتقر لمعامل تصنع حتى “حبة تامرين” على حد تعبيره، وكان الاقتصاد يعتمد آنذاك على الزراعة وبعض الصناعات التحويلية، وأن العقوبات أدت إلى فقدان معظم المواد من الأسواق بما فيها الأدوية، وقامت الحكومة حين ذاك بإطلاق شعار الاعتماد على الذات ودعم الزراعةبكافة الإمكانات المتوفرة، في وقت لم يكن إنتاج النفط يكفي استهلاك البلاد، مشيراً إلى أن الوضع كان أسوأ بكثير من الآن، ورغم ذلك اتخذت الحكومة إجراءاتها للتعاطي مع الوضع الاقتصادي، فأصدرت القرار ٢٣١٥ الذي يسمح بتصدير المنتجات الزراعية، وتبعه قرار رقم ١٥٣٥ لعام ١٩٩٦ يسمح لأصحاب الحسابات بالقطع الأجنبي استخدامها بتمويل المستوردات شرط أن تكون هذه الحسابات مغذاه بحوالات خارجيه أو شيكات بالقطع الأجنبي.

خروج من المحنة

وأضاف شهدا أنه بالفعل قام المستوردون آنذاك بتحويل العمولات من حساباتهم أو حسابات غيرهم من الخارج، وإعادة تحويل العملات الى الخارج كقيم للبضائع المستوردة، ودعم هذا القرار قرار السماح بالتصدير وتنظيم تعهدات قطع التصدير والسماح بالتنازل عنها لأي مستورد، معتبراً أن هذه الإجراءات انقذت الاقتصاد السوري من محنته، وساعدت على تشكيل احتياطي من القطع الأجنبي.

تساؤلات

ووجه شهدا تساؤلات للفريق الاقتصادي: ما هي الكارثة التي ستحل على السوق الاقتصادي السوري اذا اتبعنا نفس الإجراءات..؟ ولا سيما أنكم أعلنتم عجزكم عن التمويل استنادا لتصريح وزير التجارة الداخلية الذي برر فيه عدم توفر مادة الزيت لعدم توفر قطع أجنبي..؟. طالما أن المستوردين والتجار يتعهدون لكم بإغراق الأسواق بالمواد بما فيها المواد الألوية للصناعة فما هي مشكلتكم..؟  إذا كان التمويل هو المشكلة.. دعوهم يمولون مستورداتهم من حساباتهم الخاصة واخرجوا أنتم منها، فالتجارة والاستيراد لا يحتاجان التبني والعواطف..دعوهم لأعمالهم وهم قادرين على تمويل ذاتهم.. وهذا الأمر كفيل باستقرار السوق خلال أشهر، وكفيل أيضاًبزيادة الطلب على العمالة مما سيدفع بالنتيجة العجلة الاقتصادية للحركة وهذا الأمر كفيلبزيادة الموارد سواء على مستوى الليرة السورية، أمعلى مستوى القطع الأجنبي..!.

ودعا شهدا أخيراً الفريق الاقتصادي لفتح باب الحوار وإعادة مناقشة القرار ١٥٣٥ لعام ١٩٩٦ والقرار ٢٣١٥، معتبراً أنه يكفينا انتظاراً وأنه آن الأوانللخروج من دائرة الاتكالية، ولابد من الاعتماد على الذات..!.

أخيراً..

حقيقة ما طرحه الخبراء يستحق الوقوف عليها، وجدير بالاهتمام، ولاسيما أن بعض هذه الطروحات تم تجريبها سابقاً، وأثبتت نجاعتها، فإذا كانت جعبة الحكومة قد نفدت من المبادرات والحلول فلماذا لا يؤخذ بما أوردناه آنفاً..؟

إن الوضع الحالي للاقتصاد الوطني غير مطمئن، ويستدعي التدخل الفوري والسريع، وقد سبق وأن تطرقنا إلى أن ثمة أزمة غذائية عالمية تلوح في الأفق، ما يوجب بالضرورة التحوط لها، ونعتقد أن ما عرضناه من مقترحات يعزز من موقف الاقتصاد الوطني ويدعم أواصره.. فالكرة الآن في ملعب الحكومة لاسيما وأن هذه المقترحات ليست قابلة للتنفيذ فقط، بل وإنما لا تكلفها سوى أن تتداولها للوصول إلى صيغة تضمن حُسن التنفيذ..!.