“حمام روماني”.. ليس كل ما يكتب على الورق يصح على الخشبة
يحضر الكاتب البلغاري الساخر ستانسلاف سترتييف في عروض احتفالية مسرح قومي حمص بيوم المسرح العالمي لهذا العام في نصين من بين ثلاثة نصوص عرف بها هذا الكاتب الذي اتسمت مؤلفاته بالمباشرة والبساطة والتهكم اللاذع من مظاهر سلبية في الواقع، وهما “سترة من المخمل” في عرض “الغنمة” الذي قُدّم الأحد الفائت، ونص “حمام روماني” الذي عُرض الثلاثاء وحمل العنوان ذاته بتوقيع المخرج فهد الرحمون الذي سبق له وشارك في احتفالية العام الماضي بعرض “العرس” لأنطون تشيخوف، مع فرقة اشبيلية، ونظراً لتأثر سترتييف، مسرحياً، بالمدرسة التشيخوفية، فإن الرحمون في حرصه على رسم ملامح هوية مسرحية يتفرد بها، ديدنها الأساس سعيه الدؤوب لاستحضار الكوميديا الهادفة المشحونة بالتهكم والادهاش لتضيف إلى مسيرته رصيداً جماهيرياً قيماً في كل عمل يقدّمه، يبذل مجهوداً كبيراً في توظيف كافة مفردات العمل المسرحي في سبيل الوصول إلى بناء فضاء درامي مكتمل ومستوفٍ للشروط الفنية والإبداعية.
لكن الرحمون في تفرده بالإعداد للنص نراه دائم التعثّر في التقيّد بحرفية النص إلى حدّ ما، دون الأخذ بعين اليقين أن ليس كلّ ما يُكتب على الورق هو ضروري للتجسيد على الخشبة، ولاسيما أن أغلب النصوص كتبت لزمان غير زماننا وجمهور يختلف فكرياً وأنماط سلوك كلياً عن جمهورنا الحالي، لذلك أجد من الحريّ بأي مسرحي أن يضع حقيقة التحولات الإنسانية نصب عينيه حسب مقولة “ما هو حقيقي غرب الپيرينيه، هو غيره شرقها”، ولهذا فقد أدى التزام المخرج بحرفية النص إلى خلق حالة تململ كان من نتائجها خروج عدد لا بأس به من الجمهور قبل نهاية العرض الذي استغرقت مدته ما يقارب الساعتين، كان يمكن تكثيفه وتسريع وتيرة الإيقاع فيه بحذف بعض المشاهد التي يمكن الاستغناء عنها دون أن يؤثر غيابها على رسالة النص، ولاسيما مشاهد الإنقاذ الوهمي للغريق ومشاهد البحث عن “جربوع” التي لم تعطِ قيمة مضافة لا إلى المقولة، ولا إلى الأداء الكوميدي الذي حرص الممثلون أن يكون راقياً وهادفاً في الوقت ذاته.
فكرة العرض تتناول حكاية ايفان آنتوف الشخصية المحورية الذي يحصل بعد طول انتظار على بطاقة استجمام على شاطئ البحر، وعندما يعود يفاجأ باكتشاف حمام روماني أثري داخل منزله، اكتشفه أحد العمال الذي أعطاه “ايفان” مفتاح بيته لـ يرمم له أرضية الصالون أثناء غيابه، وبينما كان العامل يقوم بالحفر ظهر له طرف من الحمام الأثري فانتشر الخبر بسرعة، وجاء الأستاذ الجامعي الخبير بالآثار ليقف أمام الكاميرات التلفزيونية ويعلن عن الاكتشاف الأثري، ويباشر بمعاملة نقل ملكية المنزل إلى دائرة الآثار.
وبدوره يرسل الاتحاد الرياضي سباحين للإشراف على الحمام باعتباره منشأة عامة، ليضعنا العرض أمام مفارقات مؤلمة ومضحكة في آن معاً، حيث يصبح المنزل محطّ أنظار المتنفذين والجشعين والوصوليين لوضع اليد عليه واستثمار وضعه المستجد لمصالحهم، ومنهم بالإضافة إلى شخصية البروفيسور الذي باع حبيبته من أجل ربط اسمه بهذا الاكتشاف المهمّ، هناك شخصية “ديا ما ندييف” الوسيط العقاري الذي جاء ليشتري المنزل بما فيه لمصلحة زوجة رجل ثري، وهناك شخصية “تسيكوف” تاجر الآثار. وهكذا يحتدم الصراع بين شخصيات عدة لا يردعها شيء عن المتاجرة بثروات البلاد وأملاك الناس لإشباع أطماعهم الفردية، مقابل وجه الخير الذي يمثله ايفان الشاب البسيط الذي يتمسّك بمنزله ويصارع الجميع من أجل البقاء فيه غير مكترث بكل ما قُدّم له من مغريات لبيع البيت ومغادرة البلاد.
يوجّه العرض رسائل متعدّدة مباشرة حيناً ومتوارية خلف مشاهد كوميدية حيناً آخر، يسعى المخرج من خلالها ملامسة واقعنا الراهن ومخاطبة ضمائرنا ليسمعنا ما نرغب أن نسمع، ويقول ما يريد كل واحد منا أن يقول.
آصف إبراهيم