أنديتنا بين سندان العشوائية ومطرقة الاحتراف الأعوج… عوامل مهمة لإعادة تصحيح مسيرة الأندية وكرة القدم
البعث الأسبوعية – ناصر النجار
تناولت “البعث الأسبوعية” في عدد سابق معايير الاحتراف التي يمكن أن تطبقها أنديتنا في التعامل مع كرة القدم وعملية البناء والتطوير، وما يصح على كرة القدم يمكن تطبيقه على بقية الرياضات، والموضوع برمته سهل وبسيط وهو غير معقد ويمكن وضعه في التنفيذ حالما وجدت العزيمة الجادة والمخلصة لذلك، أما الاحتراف العالي فقد يحتاج إلى قوانين معينة غير موجودة في رياضتنا بالوقت الحالي، والأهم أنه يحتاج إلى كوادر محترفة قد لا نملكها في الوقت الحالي لأننا على ما يبدو لم نفهم الاحتراف بمحتواه الصحيح، إنما فهمناه بفكر خاطئ.
ولأننا اقتربنا من نهاية الموسم فإن المعايير التي استعرضناها لا بد أن تكون مترافقة مع معايير مالية لنصل إلى حسن التطبيق، فما هي المعايير المالية؟.
لا يكفي النادي المحترف الذي يصرف مئات الملايين من الليرات كأغلب أندية الدرجة الممتازة أن يكون له محاسب مالي عادي، بل إن الأمر يتطلب أكثر من ذلك من أجل الميزانية العامة للنادي، والمدير المالي يمكن أن يكون صمام الأمان بكل عمليات النادي سواء بإبرام العقود أو بالنفقات أو الواردات كبيع اللاعبين أو الاستثمار وما شابه ذلك، وهذا يتطلب وجود خبرة في هذا الاختصاص، فليس كل محاسب مالي قادر على إدارة ميزانية سنوية، ولنبسط الأمر فالنادي مالياً يعامل معاملة الشركات التجارية من ناحية الميزان التجاري وما يمكن القيام به من بيع وشراء ونفقات وغير ذلك.
فائدة هذا الأمر كثيرة: أولها أنها تبعد إدارة النادي عن الشبهات، وثانيها تحمي النادي ومنشآته واستثماراته وكل عقوده من المساءلة القانونية، وثالثها ترشد إدارة النادي إلى الكتلة المالية المتوفرة لتقوم على ضوئها بالتصرف بالعقود والنفقات فلا يقع النادي بالعجز المالي والديون والإحراج مع اللاعبين أو المدربين أو الجهات العامة والخاصة على حد سواء.
ومن المفترض أن يحصل النادي على براءة ذمة نهاية كل موسم ليعرف كيف سيبدأ موسمه الجديد، براءة الذمة مطلوبة من العقود (للاعبين والمدربين والموظفين) ومن الجهات العامة (فواتير كهرباء وماء واتصالات وضرائب) ومن الجهات الخاصة (موردو التجهيزات الرياضية وغيرها من مستلزمات العمل بالنادي والفنادق والمطاعم ووسائل النقل).
في الموسم الجديد بعد أن تجري الميزانية ويتم التعرف على الميزان المالي للنادي، يتم وفقه إجراء التعاقدات مع اللاعبين والمدربين، أي إن كل عقد يجري وفق حسابات مكشوفة وليس على المستقبل (الله بدبرها) وهذا الأمر يجب أن يكون ضمن سقف القانون، بحيث لا يمكن التصديق لأي عقد في اتحاد كرة القدم إن لم يكن موجود مؤنة هذا العقد في البنك بشكل رسمي، فإذا قررت إدارة ناد ما التعاقد مع لاعبين وغيرهم بقيمة خمسمئة مليون ليرة فهذا الرقم يجب أن يكون موجوداً عينياً، أما باقي النفقات (مباريات وسفر وإقامة وأجور حكام ومراقبين وتجهيزات رياضية وغير ذلك) فيمكن أن تحال إلى ما سيجنيه النادي من بيع مباريات أو مشاريع إعلانية واستثمارية آجلة الدفع.
بمثل هذه الدقة يمكن الحصول على أندية محترفة مستقرة مالياً وهذا الاستقرار يولد الاستقرار الإداري والفني ويجنب الأندية الغوص في مشاكل مع اللاعبين والمدربين وهموم مالية ستعيقها عن أداء مهامها المنوط بها في التخطيط والبناء والتطوير.
الأمر الواقع
إذا عكسنا هذا الكلام على أرض الواقع فإننا لا نجد أي ناد يطبق جزءاً منه، ولا نريد هنا الخوض في المخالفات والقضايا وتقارير الرقابة المملوءة بأنديتنا، إنما نقول: كم ناد في الوقت الحالي يعاني من أزمات مالية قاتلة وخانقة؟ والجواب: الجميع بلا استثناء وإن كانت الأزمات بنسب مختلفة بين ناد وآخر.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستبدأ أنديتنا الموسم الجديد وهي في الموسم الحالي غارقة بالأزمات والديون؟.
الإجابة على هذا السؤال ستكون من باب المسؤولية الملقاة على عاتق قيادة الرياضة وكرة القدم، لأن استمرار الأندية في أزماتها سيؤدي إلى نتائج وخيمة، ولا بد من تفادي المزيد من الأزمات ووقفها عند خط معين حتى لا تتدحرج ككرة الثلج.
من جهة أخرى فإن الأندية المنافسة على دخول الدوري الممتاز باتت معروفة وهناك ناديان من أندية: المجد وجرمانا والجزيرة والحرية والساحل سيكونان على موعد مع حظوظ التأهل، لكن هل بادرنا بسؤال هذه الأندية: هل أنتم قادرون على مواجهة مصاريف الدرجة الممتازة ومتطلباتها؟.
اتحاد كرة القدم عليه أن يحمي هذه الأندية فلا يسمح لها بالمشاركة قبل أن تقدم ضمانات حقيقية تؤكد أهليتها المالية والإدارية والفنية للمشاركة، مع التذكير بأن من الشروط الفنية أن يكون للنادي فرق بكل فئات كرة القدم (أشبال – ناشئين – شباب) على الأقل.
وللأسف هناك أندية لا تملك إلا فئتين وفريق شبابها في خبر كان وهو مهمل أيما إهمال، والدليل أن عدداً من فرق الدرجة الممتازة فرق شبابها في الدرجة الأدنى وبعيداً عن المنافسة (الشرطة وحرجلة والفتوة وعفرين).
مع التذكير أنه تم الضغط من بعض الفرق على القيادة الرياضية واتحاد كرة القدم في المواسم السابقة عبر التهديد بالانسحاب من الدوري إن لم تحصل هذه الأندية على المعونات المالية الكافية التي تضمن استمرارها بالدوري، لذلك من المفترض ألا يتم الموافقة على دخول أي ناد إلى الدرجة الممتازة ما لم يكن مؤهلاً لذلك، وللعلم فإن وجود الأندية الضعيفة غير القادرة على المواكبة يضعف الدوري ومبارياته ومستواه.
قد تكون هذه الفكرة غريبة وغير مطروقة سابقاً، لكنها ضرورية لتنظيم أندية كرة القدم ووضعها أمام مسؤولياتها الكاملة، فليس الانجاز أن يتأهل النادي لدوري المحترفين، إنما الانجاز أن يزرع فيه بصمة، وألا يكون على حساب بقية الفئات والألعاب الرياضية.
هذه من السلبيات التي تقع فيها رياضتنا بالتعامل مع كل الأندية سواء بالدرجة الممتازة أو غيرها من الدرجات والفئات، ولو تم تنظيم الأمور المالية لهانت الأمور ولتلاشت الكثير من العقبات والعوائق.
سوق الأسهم
أسعار اللاعبين جزء من العملية المالية وربما هي سبب رئيسي في الكوارث التي تلحقها، وحتى الآن لا ندري ما الأسس التي يتم إتباعها في تحديد سعر اللاعب المحلي، لكن الواقع يجعلنا نتعجب من الأسعار المدفوعة للعديد من اللاعبين وقد بلغت أسعاراً خيالية.
في البداية لا يمكن المقارنة بالأسعار بيننا وبين بقية الدوريات العربية لأمور عديدة لسنا بوارد ذكرها الآن، إنما من المفترض أن يتم تحديد السعر وفق معطيات محلية بحتة.
المعطيات التي يجب أن تكون أساس السعر هي معطيات فنية متعلقة بعطاء اللاعب في السنوات الأخيرة والعمر الرياضي وعضوية المنتخبات الوطنية.
فلاعب المنتخب الوطني يختلف بسعره عن اللاعب القادم من الدرجة الأولى، واللاعب الهداف يختلف عن المدافع وهكذا فهناك معطيات فنية يعلمها المدربون ويعرفونها من خلال متابعتهم للدوري وفرقه ولاعبيه.
إبقاء الأسعار (معومة) لا يصب بمصلحة الأندية ويصب فقط بجيوب المستفيدين من ضعاف النفوس بالأندية وبجيوب الوسطاء، وهؤلاء هم المشكلة وهم من يرفعون الأسعار بشكل جنوني.
والمشكلة الأكبر التي تضع الأندية في قفص الاتهام عندما تتعاقد بمبالغ كبيرة مع لاعبين مصابين وإصاباتهم مزمنة أو مع لاعبين انتهت صلاحيتهم وهنا الطامة الكبرى التي تشعر أن وراء الأكمة ما وراءها؟.
هذه القضية يجب أن تجد الحل اللازم من القائمين على الرياضة وكرة القدم عبر تحديد سقف العقود المالية وتحديد الشرائح، من الطبيعي ألا تقضي هذه الإجراءات على فساد العقود لكنها ستحد من الهدر غير الطبيعي.
الحل الآخر بتوجيه الأندية إلى الاستعانة بجيل الشباب وخصوصاً أن الكثير من لاعبي الدوري بلغوا سن الاعتزال، وعندما تصدر تعليمات تفرض على الأندية وجود عدد معين من اللاعبين الشباب ضمن فرق الرجال وعدم جواز التعاقد مع أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا الثلاثين من العمر فإن ذلك سيساهم بتخفيف الدفع المالي وبتجديد دم الفرق والدوري.
من جهة أخرى لا نجد أن العقود التي تجري مع اللاعبين والمدربين مكتملة الفصول ودوماً نجد أن حق النادي ضائع في زحمة المصالح!.
عشوائية وارتجال
هذه العوامل التي نتحدث عنها هي عوامل مهمة في تطوير كرة القدم، لأن ما يجري في أنديتنا هو عمل عشوائي وارتجالي بامتياز، وهذا كله ينعكس على كرتنا التي فقدت بريقها تماماً، وإذا كان منتخبنا الوطني فشل في تحقيق حضور جيد في التصفيات الآسيوية وأغلب لاعبيه محترفين، فكيف لو شاركنا بمنتخب من اللاعبين المحليين؟.
إذا لم نبدأ بتنظيم أنديتنا إدارياً ومالياً لن نصل إلى العمل الفني الجيد، والفكر الاحترافي الذي ننادي به يبدأ من العمل الإداري المنظم ومن القيود المالية السليمة، لذلك لا بد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن لغة الولاء للأشخاص وهي لغة خشبية يجب نبذها والاستغناء عنها بمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة، ولا بد من المحاسبة الجادة لكل من يعيث بأنديتنا فساداً فآن للمصلحة العليا أن تنتصر على المصلحة الشخصية.