نشأة وأهداف ” حركة آزوف” المرتبطة بأيديولوجية النازيين الجدد
البعث الأسبوعية-قسم الدراسات والترجمة
تصر صحيفة “نيويورك تايمز” على أن الإرهاب اليميني ظاهرة محلية حصرية، وإن أحد الأمثلة التي قدمتها هو مثال “كتيبة آزوف الأوكرانية”، التي يسميها مكتب التحقيقات الفيدرالي “وحدة شبه عسكرية”. لكن في الحقيقة “آزوف” مشهورة بـارتباطها بأيديولوجية النازيين الجدد، والمعلومات التي تصر عليها الصحيفة المشهورة هي معلومات مضللة، مما يجعل المثال بأكمله غير معقول، وللأسف ضار بالحجة المهمة للكاتب.
ما تسميه “نيويورك تايمز” “كتيبة آزوف الأوكرانية” هي وحدة عسكرية بامتياز، وهي فوج من الحرس الوطني الأوكراني، وجزء من وزارة الشؤون الداخلية. وهذا يعني أن “آزوف” ليست وحدة شبه عسكرية كما تدعي، ولا تتمتع بأي استقلال عن الدولة، ولكنها جزء لا يتجزأ من الهياكل الرسمية تتبع الأوامر الصادرة عن وزارة الداخلية.
إن تاريخ “آزوف” متجذر في كتيبة متطوعين شكلتها قيادة مجموعة من النازيين الجدد تسمى “باتريوت أوكرانيا” في ربيع عام 2014، حيث شجعت الدولة أي شخص مستعد للانضمام إلى وحدات المتطوعين والقتال. نعم ، “أي شخص” ، من نشطاء اليمين المتطرف، وكذلك الأناركيين والليبراليين والمحافظين والأشخاص غير السياسيين. حتى “آزوف” ، الذي شكلها القياديون من قبل اليمين المتطرف ، كانت تضم مقاتلين من معتقدات أيديولوجية مختلفة.
ورغم الطبيعة الإيديولوجية المعادية لجذور “آزوف” وهو الأمر الذي لا جدال فيه، إلا أن “آزوف” انتقلت – إضافة إلى الأعمال العسكرية الإجرامية- إلى العمل السياسي، وأسست ما سيصبح حزباً يمينياً متطرفاً يسمى “الفيلق الوطني”. شكل الحزب كتلة انتخابية مع أحزاب اليمين المتطرف الأوكرانية الأخرى للانتخابات البرلمانية لعام 2019، لكن حتى جبهة اليمين المتطرف حصلت على 2.15٪ فقط من الأصوات، وبالتالي فشلت في الحصول على مقعد واحد في البرلمان الأوكراني.
الكتيبة المثيرة للجدل
المقر الرئيسي لكتيبة “آزوف” في مدينة ماريوبول، وهي جزء من الحرس الوطني وبالتالي فهي تتبع وزارة الداخلية الأوكرانية، ومقاتلوها مدربون بشكل جيد، ولكنها تثير الجدل لأنها تتكون من قوميين ويمينيين متطرفين. نشأت “آزوف” عام 2014 من كتيبة متطوعين في مدينة بيرديانسك، لدعم الجيش الأوكراني في قتاله ضد الموالين لروسيا في شرقي أوكرانيا. بعض المتطوعين كانوا جزء مما يسمى بـ “القطاع اليميني” وهو عبارة عن مجموعة أوكرانية يمينية متطرفة لكنها نشطة. وأساس هذه المجموعة ينتمي لشرق أوكرانيا من الناطقين بالروسية المنادين أصلاً بوحدة الشعوب السلافية الشرقية أي الروس والبيلاروس والأوكرانيين. وبعض هؤلاء ينحدرون من مشاغبي الملاعب “ألتراس”، وآخرون كانوا نشطين ضمن المجموعات القومية المتشددة. “كانت عبارة عن مجموعات يمكن وصفها في ألمانيا بمجموعات الرفاق الأحرار (اليمينيون)” ، يقول أندرياس أوملاند، الباحث في مركز ستوكهولم لدراسات شرق أوروبا. تستخدم آزوف شعاراً له دلالة يمينية متطرفة، إنه رمز وثني، استخدمه النازيون أيضاً، يقول أوملاند، ويضيف “لكن لا ينظر الأوكرانيين إلى هذا الشعار على أنه رمز فاشي”.
مؤسس وقائد كتيبة “آزوف” كان أندري بليتسكي الذي تخرج من كلية التاريخ في جامعة خاركيف الوطنية، وكان نشطاً في الوسط اليميني المتطرف لسنوات طويلة. في صيف عام 2014 كانت مشاركة كتيبة “آزوف” واضحة في استعادة السيطرة على ماريوبول. ومنذ خريف عام 2014 تعمل ككتيبة، وحسب تقارير استخباراتية يصل عدد أفرادها إلى نحو ألف مقاتل ولديها دباباتها ومدافعها الخاصة بها، وفي ذلك الوقت قررت الحكومة في كييف دمج القوميين المتطرفين في هياكل الدولة.
في عام 2019 كانت هناك مبادرة في الكونغرس الأمريكي لتصنيف كتيبة آزوف كـ “منظمة إرهابية”، لكن المبادرة لم تنجح في ذلك. لكن الحقيقة هي أن آزوف لديها ومنذ أعوام اتصالات مع الوسط اليميني المتطرف خارج البلاد، بما في ذلك ألمانيا حسب ما أفادت به الحكومة في ردها على سؤال لكتلة حزب اليسار في البرلمان الألماني “بوندستاغ”.
وفي جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ، قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي :
” المتطرفون الأمريكيون يسافرون أيضاً إلى الخارج لتلقي تدريب عسكري. ومن بين أولئك الذين تدربوا مع آزوف، هناك العديد من الرجال المسؤولين عن إثارة العنف في تجمع “اتحدوا اليمين” في شارلوتسفيل ، فيرجينيا ، في آب 2017. ” وهذا يعني أنه يوجد تعاون بين نشطاء اليمين المتطرف الأمريكيين والأوكرانيين.
اكتسبت كتيبة “آزوف” شهرة ونفوذاً كبيرين، ليس فقط في موطنها الأصلي أوكرانيا، ولكن في جميع أنحاء العالم بوصفهم النازيين الجدد في أوكرانيا. فالمجموعة تطورت وتوسعت منذ إنشائها في عام 2014، حتى أصبح قادتها الآن جزءاً لا يتجزأ من القوات العسكرية الرسمية لأوكرانيا، كما باتت لاحقاً حركة سياسية تسعى لقيادة الدولة.
خاضت كتيبة آزوف معارك عنيفة في الأيام الأولى من حرب 2014، التي أودت بحياة أكثر من 10300 شخص. أما أبرز المعارك التي خاضتها “آزوف” فكانت قتال القوات الموالية لروسيا خلال الحرب في دونباس، وتمكنت من استعادة مدينة ماريوبول من الموالين لروسيا في يونيو 2014.
أهداف كتيبة “آزوف”
وفقاً لما ذكره موقع “جيوهيستوري” التاريخي، فقد وصفت “آزوف” نفسها بأنها منظمة قومية متطرفة، تركز بشكل عام على الصراع المستمر بين أوكرانيا وروسيا، فضلاً عن استقلال الأمة وكرامتها، وأضاف الموقع أن العدو الخارجي المباشر لهؤلاء القوميين هو روسيا.
تتفاخر كتيبة “آزوف” برمز مشابه لرمز النازي السابق “ولفسانجيل”، وقد اتهمتها جماعات حقوق الإنسان الدولية، مثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بارتكاب والسماح بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وضمن ذلك التعذيب. في الحقيقة استحوذت ألمانيا النازية على شعار “بلاك صن” ، وأصبحت فيما بعد رمزاً شائعاً لدى المتطرفين اليمينيين في جميع أنحاء العالم. استخدمت “آزوف” رمز “بلاك صن” في الماض ، لكن ربطه حصرياً بـ “آزوف” غير صحيح ، لأن الأخيرة استخدمت ببساطة الصور اليمينية المتطرفة المتاحة بالفعل والواسعة الانتشار. لهذا لا يمكن لأي منظمة، باستثناء الحزب النازي التاريخي، أن تدعي احتكار رمز الشمس السوداء.
بعد اتفاق عام 2015 المعروف باسم اتفاقيات “مينسك” التي كان من المفترض أن تكون خارطة طريق لإنهاء القتال بين روسيا وأوكرانيا ولكنها لم تفعل أكثر من خفض حدة القتال، تم دمج كتيبة “آزوف” رسمياً في الحرس الوطني الأوكراني. دخل فيلق “آزوف” الوطني المعركة السياسية في تشرين الأول 2016، وعين قائد الكتيبة أندريه بيلتسكي لقيادتها، لكنه فشل في انتخابات العام 2019. ضم الحزب منظمتين يمينيتين متطرفتين أخريين، وضمن ذلك منظمة “باتريوت” الأوكرانية، التي وفقاً لمجموعة خاركيف لحقوق الإنسان، “تبنت أفكاراً تنم عن كراهية الأجانب، وتشارك في هجمات عنيفة ضد المهاجرين والطلاب الأجانب في خاركيف، وأولئك الذين يعارضون آراءها”. وتعرف هذه المجموعات مجتمعة باسم “حركة آزوف” التي تضم أكثر من 10000 عضو نشط، بحسب أولينا سيمينياكا السكرتيرة الدولية للجناح السياسي في “آزوف”.
تعتقد حركة “آزوف” أن نفوذها قد نما في البلاد، وفي غضون 4 سنوات من تأسيسها فقط أصبحت “حركة آزوف” دولة صغيرة في الولاية. كما استفادت الحركة من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تقوم المجموعة بتجنيد وتعزيز أفكارها اليمينية المتطرفة. وخلال المعارك الجارية الآن لجأ قادة الميليشيات الأوروبية اليمينية المتطرفة إلى الإنترنت لجمع الأموال وتجنيد المقاتلين والتخطيط للسفر إلى الخطوط الأمامية لمواجهة روسيا. حتى أن بعض الأنشطة تركزت على دعم كتيبة “آزوف”، التي باتت تستقطب مقاتلين من اليمين المتطرف من جميع أنحاء العالم.