“ذكاء way-in” تجديد مسرحي يحطم القوالب الجامدة
عندما نقول عن حالة متميزة في المسرح أنها مبتكرة فهذا يعني أنها مجددة ومتمردة على السائد والمألوف، حطمت قوالب التقليد وتحررت من أسر التكرار النمطي الذي ينساق خلفه مسرحيون كثر، لاسيما أولئك الذين يتلمسون خطى المسرح في محافظات بعيدة عن محور النشاط الثقافي في العاصمة، خوفاً وحذراً من الفشل والانتقاد، لذلك يتجنب أغلبهم المغامرة والتجريب والتجديد والاشتغال على بصمة خاصة، فما شاهدناه من عروض في احتفالية حمص بيوم المسرح العالمي هي عروض ممسرحة ومكررة ميزتها الوحيدة حماس هواة يحثون الخطا بحب نحو موهبة تدغدغ أحلامهم وتطلعاتهم حتى ولو في أداء نصوص غريبة عن حياتهم ولا تقارب واقعهم بكل إرهاصاته وتحولاته المتتالية والمتسارعة.
لكن ضمن هذه العروض، كان هناك استثناء يستحق الإشادة والتشجيع والاقتداء به، هو عرض “ذكاء way-in” (تأليف جماعي وإعداد وإخراج سامر ابراهيم ابو ليلى)، مع فرقة مسرح العمال، هذا العرض الذي يستمد أفكاره ولوحاته المسرحية من الواقعي الآني، ويتبنى تجسيد معاناة الناس اليومية وهواجسهم الحياتية، ويتقمص آلامهم بأسلوب كوميدي ساخر يجعل المتلقي يضحك بمرارة من واقع مأزوم يعيشه، وبدأ يتأقلم معه لدرجة أضحى يستقبل كل انتكاسة جديدة بتندر وسخرية تخفي حجم القهر والألم الذي يعتصر داخله، وهذا الواقع هو ما اشتغل عليه أبو ليلى وفريقه الفني باحترافية الفنان المبدع والمجدد، رغم ما بدا من العرض شكلاً ومضموناً أنه مستوحى من فكرة مسرحية “كاسك ياوطن”، لدريد لحام ومحمد الماغوط، حيث يقسَّم العرض إلى برامج تلفزيونية حوارية ومسلسلات “مسلسل مكالمات هاتفية غير ضرورية”، ومشاهد مسرحية واسكتشات غنائية وغيرها، لكن أبو ليلى يتمكن مع مجموعة من الهواة من تقديم عرض متقن أداء وإخراجاً وسينوغرافياً، وظفها لإضفاء رابط حيوي مشوق بين المشاهد التي طعمها بمشهدين جميلين من المسرح العالمي هما “الحياة الزوجية” للكاتب السويسري ماكس فرش الذي أداه ممثلون بالفرقة باحترافية عالية وإحساس مرهف يشي بمعايشة ومحاكاة واعية للحالة الإنسانية في النص، ومشهد من “شيطان الغابة” لتشيخوف، وهذان المشهدان اعتقد أنهما جاءا في العرض كاستعراض لمواهب شابة عالية المستوى قادرة على التنويع الدرامي بين الكوميديا والتراجيديا واقناع المتلقي، لكن، يبقى ما قدم في العرض من واقعي معاش بدءاً من طوابير البطاقة الذكية إلى الغلاء المتصاعد وأحلام الشباب، إيحاء حينا، وتصريحاً مباشر حيناً آخر بأسلوب ابتعد عن التهريج والمبالغة الفجة، فقدم كوميديا راقية اشتغل عليها ممثلون مبدعون أدوا كركترات شخصية باحتراف متقن.
آصف ابراهيم