كواليس الستارة الحلبية في يوم المسرح العالمي
البعث الأسبوعية-غالية خوجة
المسرح حالة إنسانية ضرورية بدأت مع أجدادنا منذ أساطيرهم وملاحمهم الأولى، ثم انتقلت معهم من الكهوف والمغارات والغابات إلى مناطق زراعتهم وسكنهم، فكان الحقل أول مسرح يحتفي بمواسم الزراعة والقطاف، ثم انتقل إلى طقوسهم الحياتية ومنها المعابد، وبدأ يخرج منها إلى المنصات الملكية إلى أن أصبح ظاهرة جماهيرية شعبية، ومع متطلبات الحياة الثقافية والفنية أصبح المسرح أسلوب حياة، وبدأت المنصات تتفاعل وتتنافس لتقديم الأفضل درامياً وتراجيدياً، ولذلك كان رمز المسرح وجهين أحدهما الباكي وثانيهما الضاحك، ولأهميته تأسست الهيئة الدولية للمسرح عام 1948 بمبادرة أول مدير عام لمنظمة اليونسكو جوليان هكسلي والكاتب المسرحي والروائي جي بي بريسلي، ثم بدأ الاحتفاء بـ”مسرح الأمم” من باريس ليتحول إلى يوم عالمي للمسرح الذي قال عنه يوماً سعد الله ونوس في رسالته عام 1996: “إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التأريخ”.
المسرح فن جماعي تشاركي
لجماعية أبو الفنون جمالية خاصة، وأهداف توعوية ثقافية ترسخ القيم، وتنتقد فنياً الواقع الحياتي، ولذلك، أكد الفنان الأمريكي بيتر سيلرز- مخرج مسرح وأوبرا ومدير مهرجانات في كلمته التي قدمها بمناسبة يوم المسرح العالمي لعام 2022: “إن الوقت للانتعاش العميق لعقولنا، لحواسنا، لتخيلاتنا، لتأريخنا، ومستقبلنا، ولا يمكن القيام بهذا العمل من قبل أشخاصٍ معزولين يعملون بمفردهم، يتعيّن علينا القيام بهذا العمل معاً، والمسرح دعوة للقيام بهذا العمل معاً”.
من الإيوان إلى المنصة
أمّا في حلب، فللمسرح حكاياته مع مسرح القلعة، ومسرح خيال الظل مع عصر سيف الدولة، ومع الفرق المسرحية العربية والأجنبية الزائرة ومنها فرقة كل من الشيخ سلامة الحجازي، جورج أبيض، عبد النبي محمد، يوسف وهبي، ويوسف نعمة الله جاد الذي قدم مسرحيته الأولى “بريجيت” على مسرح المدرسة المارونية بحلب عام 1872، مجارياً رائدي المسرح الأخوين ميخائيل ومارون النقاش، ثم بدأ تأسيس الفرق المسرحية الحلبية وتضاعف عددها، كما يذكر الكاتب المسرحي عبد الفتاح قلعه جي، وكيف كانت الخيرة المثقفة تعمل من أجل النهوض بالمسرح الجاد والهادف والتوعوي، ومنهم الفنان نجيب باقي، والشاعر عمر أبو ريشة، والموسيقي أحمد الأوبري، والباحث الشاعر خير الدين الأسدي، وصولاً للجيل المعاصر ومنهم عمر حجو، وليد إخلاصي.
وكان أن انطلقت العروض من صحون الدور العربية وأيواناتها إلى المقاهي، ثم المباني الخاصة بالمسرح مع النصف الأول من القرن العشرين مثل مسرح المدرسة العربية والفاروقية والشرقية، مسرح مقهى البليط، ومقهى النصر، ومسارح الشهبندر الأربعة، مسرح اللونبارك، الأزبكية، نادي الشبيبة الكاثوليكية، الصحراء، كوكب الصباح، سينما فريال، دار الكتب الوطنية، نادي التمثيل الوطني، جمعية الجيل الجديد الثقافية، إضافة لانتشار مسرح الحكواتي في مناطق عديدة من حلب، منها مقهى قسطل الحرامي، قسطل المشط.
وهكذا تحول المسرح إلى ظاهرة حياتية منتشرة على المنصات ومنها نقابة الفنانين، المراكز الثقافية، صالة معاوية، المسرح العمالي، والقومي، ومسارح الجامعة والشبيبة والمدارس.
أين المسرح الحلبي؟
ولأن من أهم أهداف المسرح التشاركية مع الناس، خصوصاً، في زمن الفضاء الالكتروني العابر للحدود، نتساءل عن المسرح الحلبي وأهدافه وأخلاقياته وفنياته ودوره أثناء مرحلة إعادة بناء الإنسان؟
نحتفل بالقيم الثقافية
رأى محمد هلال دملخي الباحث التأريخي في شؤون المسرح الحلبي أن المسرح ثمرة تعاون فني بين أفراد المجتمع الواحد، مؤكداً: نأتي إلى المسرح كي نحتفل بقيم ثقافاتنا وثراء إبداعنا، نجتمع، لنبكي ونتأمل، لنضحك ونتذكر، نتعلم ونتخيل، نسمو ونرتقي، نفكر ونحلم، فالمسرح هو العالم والمأوى والصومعة والكهف والبيت والأسرة، وهو الروح والأمل والحلم والحياة والمتعة، وكل عام ومسرحنا بألف خير.
متى يعود الفن والحب والجمال؟
وأجابنا الفنان غسان مكانسي: المسرح بحلب متخلف جداً، لأن مدينتنا مدينة الحب والجمال والفن، وقدم الرواد ما عليهم، وكانت أعمالهم رائعة جداً لأنها قطعة من المجتمع، وتحدثوا عن همومنا وسلبياتنا وإيجابياتنا، بينما الآن، فالمسرح يعطي “نكاتاً بايخة” لا علاقة لها بالمسرح، وكذلك الممثلون لا علاقة لهم بالمسرح، وكل من هو بلا عمل صار يعمل في المسرح، نضع يدنا على الخلل لعل المسرح يعود جميلاً، وتعود الناس لتقول: هذا مسرح جميل.
لا حياة بلا مسرح
ولفت الفنان غسان دهبي إلى أهمية المسرح في الحياة، لأن الحياة بلا فنون ليست حياة، مؤكداً: المسرح لن ينسى رواده ومبدعيه، ومنهم وليد إخلاصي الذي ستوجه له نقابة الفنانين تحية ضمن احتفاليتها بيوم المسرح العالمي، وسيتبعها قراءة رسالة هذا اليوم، وتتضمن الاحتفالية تكريم الزملاء الفنانين، وعرضاً مسرحياً “دراما الشحادين- إخراج فادي السعيد”.
مسرح نظيف!
وقال محمد حجازي مدير المسرح القومي: المسرح عمل جماعي يقوم على الحب والتشارك في الأفكار، ولابد من تكريس هذه القيمة على الصعيد الإنساني في التعامل مع بعضنا البعض بعيداً عن الشخصانية والمصالح الضيقة، ويحتفي المسرح القومي بهذه المناسبة، ويقدم عرضاً بعنوان “فوق هذا المستطيل وقع حادث”، تأليف محمد أبو معتوق، إخراج د. محمد الشيخ، على مسرح دار الكتب الوطنية، حاولنا من خلاله تقديم الفكرة بطريقة وحواس جديدة يتلقاها المتفرج وهي الشم والذوق واللمس وذلك بالتعاون مع كلية العلوم الكيميائية في جامعة حلب وجهات اخرى، كما أن الكاتب ترك الأفق مفتوحاً لتطويع النص المكتوب والذي عملت على إعداده بالتشاور مع المؤلف.
وأضاف: نتطلع إلى فن مسرحي نظيف رغم تساهلنا في الفترة الماضية التي رافقت الحرب وبعدها بقليل، وسنتشدد في الفترة القادمة، خصوصاً مع الخاص، وكذا على صعيد المسرح القومي كونه مسرحاً جاداً، آملين أن يعبّر عن تطلعات الجمهور وقضاياه الملحة مع رغبتنا في انتاج المسرح الكوميدي الهادف، إضافة لاهتمامنا بمسرح الطفل وتقديم القيم النبيلة والمتعة والفائدة والابتسامة بأسلوب عصري.
حزين لكنني أكتب للمسرح
كان من المفترض أن أكون سعيداً في اليوم العالمي للمسرح، لكنني للأسف حزين جداً على واقع المسرح في مدينة حلب، لأن العروض المسرحية المقدمة لمسرح حلب القومي لا ترقى إلى مستوى المسرح المدرسي الذي كنت مديراً له لمدة عشرة أعوام، بهذه الكلمات أجابنا د.وانيس بندك الكاتب الممثل المخرج المسرحي، وتابع: لذلك أقارن وأجد أن الذين عملوا في المسرح المدرسي في الماضي كانوا يقدمون أعمالاً أهم من الأعمال التي يقدمونها الآن في المسرح القومي، ولا أعلم لماذا لا أدعى لأي اجتماع من قبل إدارته الجديدة، على عكس الإدارة القديمة التي كانت تأخذ دائماً برأي الأكاديميين وأصحاب الخبرات الممتدة لربع قرن تقريباً، ولم يعد لدي أحلام مسرحية سوى الكتابة للمسرح، وهذا ما أفعله يوميأ وهذا يكفيني ويعيد إلي التوازن، كما أن العمل في المسرح لا يجلب سوى المزيد من الديون، فالمكافأة عن أي عمل مسرحي لا تغطي أجور المواصلات من وإلى المسرح خلال البروفات والعروض، وكل عام وكل المسرحيين بخير .
الخروج عن التقليدية والأنا
واعتبرت ضحى عساف- كاتبة مسرحية أن “أبو الفنون” خلاصة المجتمع ومرآته العاكسة لرقي وثقافة وحضارة أية أمة من الأمم، ومسرح حلب بحاجة إلى وجود الأداء المسرحي وروح المسرح للمهتم بهذا الفن، مضيفة: آملة دعم النصوص المكتوبة باللغة العربية مع عدم كسرها بالعبارات العامية التي قد تكون مبتذلة أحيانآ، ومن الضروري دراسة وقراءة ما يُقدم جيدآ على خشبتنا مع الابتعاد كليآ عن مفهوم الأنا أثناء عمليات الحوار والنقد والمشاركة، رغم أننا شهدنا في الآونة الأخيرة تقدمآ ما، لكننا بحاجة إلى التطوير أكثر، لأن المسرح يجمع شرائح المجتمع المختلفة، ليقدم لها محتوى هادفاً وفكرآ نيرآ، كما لا بد من الخروج عن الإطار التقليدي في تصوير فكرة الكاتب، لأن المسرح بحاجة للتجديد الدائم.
الجيل الشاب: أين النص القوي؟
وعن طموحات الشباب، أخبرنا الطالب الموهوب حسن كوكة: المسرح عيدنا، وأشارك بمسرحية “المسكينة وحكايات أخرى-أنطون تشيخوف/صالة معاوية” في عيد المسرح ويومه العالمي الذي تحتفل به مديرية التربية بحلب ودائرة المسرح المدرسي، والجديد في حلب هو الاهتمام بالشباب مسرحيّاً، لكننا بحاجة إلى النصّ المسرحي القوي كي لا نلجأ للنصوص الغربيّة، كما أن للمسرح الشبيبي دور هام في اكتشاف المواهب الشّابّة، ومنحهم الفرصة، وكم أتمنّى أن يرعى المسرح الشبيبي أولئك الشباب أكثر، أمّا أحلامنا فهي أن نعرّف الناس بالمسرح كفن ورسالة، لذلك نتمنى الاهتمام بالمسرح الجاد من قِبل المعنييّن الذين أهملوا المسرح الحقيقي ورسالته وأفكاره وأهدفه النبيلة.