صحيفة البعثمحليات

جوقة المحروقات ؟!

بشير فرزان 
بددت أزمة المحروقات، وخاصة المازوت، تلك الجهود التي تمت “كما قيل” في سبيل ضبط حالات التلاعب والمتاجرة بهذه المادة التي انتشرت وما زالت بأسعار علية جداً في السوق السوداء بعد غيابها من المحطات ومراكز البيع النظامية، وترافق ذلك مع تصريحات تحدثت عن كشف حالة فساد في مديرية محروقات ريف دمشق وعدد من البلديات بشكل يتطابق مع قصة “علي بابا والأربعين حرامي”، حيث كثر عدد المستفيدين من شفط المحروقات على مدار سنوات طويلة وأمام أعين الجهات الرقابية دون أن يمسك أحد بكلمة السر المفتاحية لهذه الجوقة التي عزفت على أوجاع الناس وبردهم القارص سمفونية الثراء غير المشروع.

ولاشك أن الإمساك بخيط الحقيقة في البداية بعث الأمل في الشارع السوري بإمكانية المحاسبة، ولكن ذلك أيضاً لم يدم طويلاً، فقد أحبطت التدخلات المعتادة وما يتم من تحت الطاولات مشروع المساءلة وضاع خيط الحقيقة في جحور التعتيم والتضليل على الوقائع والإثباتات لتدان الحقيقة، وليبرأ كل من تورط في هذه القضية ليكون شاهدا على نهاية قصة جديدة من قصص الفساد التي لم تصل إلى نهاية فعلية، ولم تقدم أي متهم إلى منصة الأحكام.
وطبعاً، لسنا بصدد اتهام احد أو ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، ولكن بكل صراحة نعتقد بصحة المثل القائل “لايوجد دخان من دون نار”. وما يثير الغرابة أكثر أن تتم مكافأة البعض من المشتبه بهم “كما يقال”، وكما يدار من خلف الكواليس، بمناصب جديدة بعد نقلهم إلى وزارات أخرى، وهناك من يؤكد أن هناك بعض الأسماء مطروحة لتكون ضمن دائرة معاوني الوزراء، فهل هذه هي المحاسبة الموعودة، أم شبه لهم أن هذا النوع من المساءلة هو المجدي والفعال تحت مظلات الحماية المختلفة والتي لاتعرف حدود لنفوذها؟!
بالمحصلة، رغم أهمية الرقم الرقابي، سواء المالي أو القانوني “الضبوط” في تدعيم الثقة بالعمل الحكومي، وتقديم صورة واقعية عن الجهود التي تبذلها الجهات الرقابية، إلا انه في الوقت ذاته قد يشكل دليل أدانه على التقصير وعدم أداء الواجب الوظيفي على أقل تقدير، والمثال على ذلك حاضر في سجلات وزارتي “النفط”، و”التجارة الداخلية وحماية المستهلك” اللتين سجلتا عددا كبيرا من الضبوط المتعلقة بالمحروقات، والتي تعكس – كغيرها من الضبوط في قطاعات أخرى – حقيقة أنها مجرد أرقام إحصائية لا قيمة لها، ولعقوباتها على أرض الواقع، بحيث تبقى مجرد بيانات ورقية تقدم للتغطية على العجز الرقابي والفشل في تحقيق أهدافها ولتببيض أدائها المشكوك في نزاهته وفاعليته الرقابية.
وبالعودة إلى الواقع والاحتكام إليه، نجد أن شيئاً ما لم يتغير، بل زاد تعقيداً وانتعاشاً في سوق المحروقات السوداء على حساب المواطن، أي أن سباق الضبوط خاسر وبعيد عن أهدافه الضائعة في زحمة اللجان والدوريات التي تحتاج إلى ضبط رقابي لآلية عملها.. هذا عدا عن فرار الكثيرين من “مغارة علي بابا” وهم في قمة النشوة والثراء .. فإلى متى، خاصة مع بقاء نبضة الثقة ضمن شرايين الجسد الرقابي بكل إشكاله وتسمياته؟!