رمضان وطقوسه هو فرصة موسمية مهمة لكتابة قصص الأطفال
البعث الأسبوعية-جمان بركات
السكبة الرمضانية لم تكن مجرد إناء صغير يحمل بين جنباته القليل من الطعام الساخن مع الكثير من الحب والامتنان للجيران والأقارب في محيط منازلنا، كنا نحمله وكأننا جنود نحرس تقليداً قديماً صارماً في الحب، ومازالت تلك اللحظات مثار لهفة وغصة وهي تندثر عبر تفاصيلنا الحياتية والاجتماعية المعاصرة.
والهلال الذي يتشكل من أسلاك وعليها أضواء صغيرة من كافة الألوان لم يعد يغري الجيل الجديد بصناعته والتعاون على رفعه في مدخل الحارة أو على شرفات الجيران، كما أن مطاردة ضارب المدفع في حواري أريافنا باتت من الماضي، واستيقاظنا في وقت متأخر من الليل استعداداً للسحور وعيوننا الناعسة ترقب قدوم قارع الطبلة المسحراتي ونتقافز لسماع نقراته الرتيبة تقترب من نافذتنا.
كل هذا وذاك بات يتغلف بمناديل ويخبأ في صناديق أرواحنا ويطوى مع النسيان، فإيقاع الحياة وتطورها بات يحمل لهذا الجيل أشياء أكثر ابتعاداً عن تلك التفاصيل الجميلة الحميمية التي نتحدث عنها الآن، وفي هذا الصدد توجهنا نحو مجموعة من الأدباء والفنانين العاملين في مجال أدب الطفل لنسألهم عن ماهو الشيء الذي يمكن تقديمه للطفل في شهر رمضان المبارك لتبقى طقوسه متوارثة عبر الأجيال.
فرصة مهمة
رمضان كحالة اجتماعية يطغى على كل ما سواه حين يحل بطقوسه وترتيباته الروحية والمجتمعية علينا، -كما قال الفنان رامز حاج حسين- في الفن أذكر أنني في مغامرات أبو حمدو كلفتني السيدة الأديبة الراحلة دلال حاتم لعمل حلقة كاملة عن رمضان وكانت لوحة الغلاف للعدد هي مسحراتي رمضان، ورسمت شخصية أبو حمدو وهي تحمل الطبل وتمشي في حواري دمشق القديمة مع قطه هرهور، الفن مرآة تعكس المجتمع وخصوصاً إذا كان المستهدف في تلقي الوجبة الثقافية هو الطفل، فيجب حينها أن تكون العادات والتقاليد الحميدة والتراث تصاغ بطريقة فنية مبسطة وتعريفية للأطفال.
في الغرب تجد أن بطاقات وقصص عيد الميلاد وشخصية بابا نويل تفرد لها آلاف من الصفحات والقصص والبطاقات لتعريف الأطفال بهذه المناسبة وبطلها، وكذلك أرانب عيد الفصح والبيض الملون، وهنا لدينا الفانوس الدمشقي ومدفع الإفطار وطبلة المسحراتي وعدد ما شئت من التفاصيل الجميلة التي تصلح لتكون بذرة لمواضيع خلاقة في عالم الكتابة والرسم لأطفالنا.
رمضان وطقوسه يمكن أن يكون طقساً موسمياً مهماً لكتابة قصص التعاون والتكافل والحب والجيرة والأخلاق الحميدة مع رمزيتها السورية الخالصة ليكون موسم تنافس في الإبداع والإتيان بكل ماهو طريف وجديد لتحميل الأطفال معاني سورية سامية وعالية.
ضيف عزيز
تحدث فنان الأطفال العراقي عمر طلال حسن بكل شفافية وطفولة عن الأطفال والشهر الكريم بالقول: بكل صدق أنا من محبي شهر رمضان وله خصوصية عالية لدي، هو شهر وضيف نعتز به كثيراً بما فيه من الكثير من الحالات الطيبة من طاعة وصلات وتأدية الواجبات حتى علاقتي بأهلي تختلف بهذا الشهر الكريم.. وألمهم بالنسبة لي كرسام أني متفرغ للرسم إلى الفطور ولن تنشغل بالوجبات الثلاثة… حتى مجلات الأطفال لها طعم آخر بهذا الشهر الكريم…والطرفة ابني صغير يقول لأخته ليتني قط فسألته أخته لماذا؟ قال يستطيع أن يأكل في أي وقت… وقد كان ولا زال لي تعلق خاص بالنصوص المرسلة لي التي تتناول هذا الشهر الفضيل وطقوسه فأستمتع برسم التفاصيل والزركشات والمنمنمات المتعلقة بكل بلد وأطفاله – كل رمضان والطفولة فينا تزداد تألقاً وحضوراً.
شهر الفوانيس
أما الفنانة الشابة شروق أمين سلوم قالت عن رسومات الأطفال في رمضان: الهلال من أبسط الأشياء التي ترسمها أنامل الصغار، كنت أرسمه وأنا أحبس الأنفاس أمام التلفاز لعل قمري يهل خلف نافذة أختي التي تسمرت خلفها قبيل المغرب، ولا تزال التهاني تطن بأذني والفرحة تتطاير من بيوت الجيران بقدوم شهر الخير. وفي تالي الأيام عندما يبدأ الصيام كانت تبدأ معه أحلى ساعات حياتي من تجربة الاستيقاظ قبل الفجر على صوت طبلة المسحراتي ومحاولاتي الصمود دون طعام حتى آذان المغرب حيث يأتي الفرج مع صوت المدفع وعبارة “الله أكبر” التي تؤذن لنا لنمد أيدينا الصغيرة لتغرف من أطباق أمي الشهية وسكبات الجيران وتمضي الأيام بسرعة كلمح البصر ليودعنا الشهر بهلال جديد هو هلال العيد.
هذه الأحاسيس مازالت مستمرة ومتجددة مع أطفالي الصغار اليوم أراها فرحة تطل من رسوماتهم وتنطق بها شفاههم وتبرق في عيونهم من خلال الفوانيس التي تبدعها أيديهم الغضة والنجوم الجميلة التي ترقص حول الهلال في رسوماتهم خلال رحلتنا الليلية لالتقاط الهلال في آخر أيام شعبان.. إنه رمضان شهر الخير الثابت على مر السنين مهما تبدلت الأزمان سيبقى شهر الإحسان والحب.
“سحورك ياصائم”
“رمضان عاد” هي أجمل جملة تجعل الحياة أوسع في عيون الصغار، -حسب رأي الكاتبة الشابة صبا منذر حسن- ولعل ذلك الأمر يعود إلى طقوس قديمة يحملها شهر الخير والعطاء إلى بيوت كل الناس، فلرمضان رائحة غريبة، تعبق في كل مكان، رائحة ليست ككل الروائح، رائحة تعبق في النفوس حباً وسلاماً، تسامحاً وأماناً، لتبدأ قصتنا في أجواء ريفية هادئة، فمن عمق الليل يسحبنا صوت المسحراتي وهو ينادي أمام كل بيت وبجانب كل شجرة: “سحورك يا صائم”، ليبدأ أجمل يوم، يوم الصيام، فتجتمع العائلة على مائدة واحدة، من دون أن يتأخر أي أحد، ففي رمضان وحده يلتم الشمل، ويعلو الحب والأمل على مائدة باركها الشهر الكريم، ثم تبدأ أجمل الساعات، يمر الوقت سريعاً، فالجميع سعيدون، وأكثرهم سعادة الأطفال الصغار المجتمعون حول الجدات، ليروين لهم قصصاً قديمة عن رمضان كيف كان، فتتآلف قلوبهم حباً وأماناً، وتسحبهم الحكايات إلى الخيال، فيزداد حبهم وفرحهم بالشهر الكريم، في رمضان كل شيء جميل، لقاء الأحباب، وانتظار أولاد العمات والأعمام البعيدين في المكان، فجميعهم يصلون للمشاركة في الفرحة، وكأن كل يوم من رمضان هو عيد للكبار والصغار، أما الطعام فله طابع خاص، طابع ريفي بهي، فيجتمع الأطفال، ويركضون خلف الدجاج، وسط ضحكات تستقبلها غيوم السماء، لتصدح في الأفق وفي كل مكان، فيكون الإفطار مما جادت به خيرات الأرض، وقبل أن يعلو صوت الآذان، يتحلق الأطفال حول المائدة بعد أن حملوا الصحون كأسراب النحل عن الأمهات، يختار كل شخص أمنية يدعو الله أن تحقق في يوم من الأيام، وعندما يغيب خيط الشمس خلف جبال الزهر، يبدأ الطعام، في رمضان ننسى الحزن، نسامح الجميع، نرسل صحونا إلى بيوت الجيران، فيها من الطعام القليل، لكنها مليئة بالحب والسلام، وتستمر السعادة إلى وقت متأخر من الليل، وسط أهازيج الجدات، وحكايات الآباء، في رمضان سنسامح الجميع كما قالت لنا الجدة في إحدى الحكايات، وسنساعد الفقراء الذين يصومون كل الشهور عن الطعام، في رمضان سنشعر ببعضنا، وسندعو لبعضنا ولبلادنا أن يحفظها الله على الدوام.