منتجات كاسدة في صالات السورية للتجارة في هيئة “معونة” رمضانية..وقرض الـ 500 ألف عبء إضافي ومأزق اقتصادي للأسرة..!.
البعث الأسبوعية- ميس بركات
لم تلبث السورية للتجارة أن تعلن عن فتح باب التقسيط على المواد الغذائية للعاملين في القطاع الحكومي وبسقف قدره 500 ألف ليرة سورية تزامناً مع قدوم شهر رمضان، حتى شهدت منافذ بيع صالاتها في اليوم الأول من العرض حشراً جماهيرياً للظفر بهذه “المكرمة” التي لن ينعم بها العامل في الدولة أكثر من الأيام العشر الأولى من هذا الشهر، في حين ستتلذذ مكاتب الرواتب والأجور في المؤسسات الحكومية بتعذيب راتب المواطن على مدى سنة كاملة جرّاء شراءه القليل من المؤونة الغذائية لسد رمقه بعد صيام يوم كامل عن الغذاء وأعوام سابقة كان التقشف الغذائي الورقة الوحيدة القادر على التحكم بها المواطن الفقير بعد أن رفعت الحكومة رايتها البيضاء في إيجاد حلول تحقق الأمن الغذائي لمواطنها الكريم!.
بين الرفض والقبول
وعلى الرغم من نفاذ الكثير من صالات السورية للتجارة من السلع الغذائية التي يحتويها “عرض القرض، إلّا أن الكثير تحدث عن صدمتهم بوجود العديد من السلع المعروضة والتي كانت “كاسدة” لذا جرى تقديم العروض عليها مع أكبر قدر من “المنيّة” للتخلص منها في بطون المواطنين بسرعة قبل فوات الأوان وتجنباً لوقوع السورية للتجارة في خسارة، في حين وجد البعض به سنداً لتمرير هذا الشهر بأقل خسائر ممكنة كون متطلباته أكثر من باقي أشهر السنة على مبدأ “بحصة بتسند جرة” لاسيّما وأن الغلاء استشرى بشكل مخيف في غضون أقل من شهر ولم يترك فرصة للمواطن الصائم لمدّ سفرته سوى بالتقسيط، متسائلين عن غياب دور حماية المستهلك ودورياتها المفروض تكثيفها في هذا الشهر الكريم على المحال التجارية وأسواق الخضار التي عاث التجار فيها فساداً ليجد المواطن في تقسيط السورية للتجارة شراً لابدّ منه.
عبء جديد
لم يرى خبراء الاقتصاد بالعرض الغذائي المقدّم من السورية للتجارة خلال شهر رمضان حلاً مبدعاً وخلاّقاً، إذ وجد الخبير الاقتصادي محمد كوسا أن هذا التقسيط سيشكل عبء إضافي على العاملين في الدولة ويشكل أزمة مستقبلاً، عدا عن أن العرض المقدم لم يخرج من دائرة التسويق لمنتجات غير جيدة أو سلع غير رائجة، لافتاً إلى فقدان ثقة الشريحة الكبرى من المواطنين بهذه المؤسسة الضخمة وبعروضها، وقسّم كوسا الحشود المتهافتة على عرض السورية للتجارة إلى شريحة ستعمل على المتاجرة بهذا العرض بعد شراء السلع بقيمة 500 ألف ومن ثم بيعها بسعر أكبر كنوع من الالتفاف على الاقتراض لصعوبة الحصول على القروض من المصارف نتيجة الإجراءات المتشعبّة التي تكتنف عملية الإقراض، كذلك هناك شريحة أخرى لا يشكل الراتب دخلاً ومصدراً أساسياً لعيشها بالتالي فإن شراء السلع بهذا المبلغ هو نوع من الاستفادة التي لا تشكل مأزق اقتصادي على معيشتهم، إضافة إلى وجود طبقة معدمة لا تملك أي فرصة للحصول على الغذاء ووجدت بهذا القرض حل إسعافي، وتساءل الخبير الاقتصادي عن عدم وجود فكر إداري حقيقي في هذه المؤسسة يضع حلول ومقترحات قبل أشهر من قدوم شهر رمضان كالعمل على تخفيض الأسعار أو استيراد السلع والمواد الغذائية باسم السورية للتجارة بدلاً من احتكار التجار للاستيراد، إضافة إلى استيراد مواد غذائية غير قابلة للتلف السريع كالزيوت والسكر وغيرها من السلع ووضعها في احتياط السورية للتجارة لعام ومن ثم طرحها لتدارك ارتفاع الأسعار، واستنكر كوسا تجاهل السورية للتجارة وغيرها من المؤسسات الحكومية للخبراء والمقترحات التي يقدموها لهم ورفضها بشكل متكرر تحت بند “الغير منطقية” واختراعهم لحلول “لا تمت للواقع بصلة” وفرضها على المواطنين، لنجد أن نسبة الموظفين المستفيدين من هذا الحل مثلاً قليلة جداً لاسيّما وأن نسبة الاقتطاع من الراتب الشهري لهذا القرض ستتجاوز الـ40% على مدى عام كامل لطعام شهر واحد، وتساءل كوسا عن غياب دور جهات أخرى في إقامة أسواق خيرية ومشاريعها التي تحدثت عنها لتعميم فكرة السوق الخيري الذي قامت به العام الماضي على جميع المحافظات وفي كل رمضان.
كارثة اقتصادية
ولم يخف عامر شهدا “خبير اقتصادي” الخطر المحدق بالمواطن السوري ووصول الكثير إلى دون مستوى خط الفقر، ليتحدث عن قناعة الحكومة الكاملة بوصول نسبة المواطنين المتجاوزين لخط الفقر الـ 12 مليون بالتالي لجؤوا إلى أسلوب الاستدانة لشراء الغذاء، ليؤكدوا بهذه الحركة جوع المواطن وتأمينهم لغذائهم عن طريق “الدين”، واستنكر شهدا هذه الحلول المُتخلفة فجميع دول العالم تمنح القروض لتحقيق نمو اقتصادي لا لخلق أعباء على المواطن، إذ لا يوجد أي مصرف في العالم يمنح قروض لشراء الطعام، الأمر الذي يؤكد أننا وصلنا إلى مرحلة اقتصادية خالية من النمو والتنمية، وإصرار الحكومة على تعميق عدم تنشيط الاستهلاك بالتالي عدم تشجيع المستثمرين على إقامة مشاريعهم في سورية التي تمنح قروض للطعام، وقدّم شهدا مثالاً عن سوء التخطيط وعدم وجود فكر إداري حقيقي بادّعاء الحكومة بأن تكلفة ربطة الخبز الحقيقية والتي تزن كيلو هي 1250 ليرة، في حين يصل سعر كيلو المعكرونة المصنوع من قمح محلي ولا تدخل به أي مادة مستوردة إلى 16 ألف والتي يجب أن لا تتجاوز تكلفتها بناء على معطيات الحكومة 1000 ليرة سورية، وقدّم شهدا جملة من الحلول البديلة عن القرض الرمضاني بضرورة وجود لجنة اقتصادية تملك فكر إبداعي وتخرج من نمطية التفكير التقليدي وتقوم بحساب خسارة عدم الاستهلاك في الأسواق والتي فاقت القروض التي منحوها للمواطن وترجموها بمواد استهلاكية للاستهلاك اليومي، كذلك وجد شهدا بتقديم منحة رمضانية تحت أي شكل كنوع من الدعم لتحريك الأسواق المحلية وتشجيع المستثمرين للدخول إلى السوق السورية، لافتاً إلى أن الإنتاج السوري اليوم هو في أدنى مستوياته خاصّة في ظل اختفاء ما يسمى توازن السوق “الإنتاج يساوي الاستهلاك”، والذي سيقودنا إلى كارثة اقتصادية في حال الاستمرار باعتماد الفكر التقليدي في إدارة اقتصاد البلاد وعدم الأخذ بالفكر الديناميكي لترميم الفجوات التي حدثت نتيجة فعل مقصود من قبل اللجنة الاقتصادية الموجودة ضمن الحكومة والتي لم تتغير حتى في أحلك الظروف، في حين قامت جميع دول العالم بتغيير المفكرين والمخططين الاقتصاديين لديهم والسياسات الاقتصادية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.
ماذا عن؟
قد تكون “المعونة الرمضانية” المقدّمة من السورية للتجارة حل إسعافي للشرائح التي تعاني من فقر مدقع لكن تداعيات هذه السّلة على الجيب في الأيام التي ستلي رمضان سيدفع ثمنها ذات الفقير، فهل خلت جعبة الحكومة من الحلول وماذا سينتظرنا في قادمات الأيام إن كانت ما تخبأه هو صفر؟!.