خزينتنا المعرفية الأولى
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
المكتبة الشخصية أو المنزلية من أهم أنواع المكتبات يشيع وجودها في المنزل جواً ثقافياً بين أفراد الأسرة وجزءاً من تاريخها تختلف مواضيع كتبها باختلاف أعمار أفرادها واختياراتهم، ونحن جميعاً على اختلاف مستوياتنا نشأنا في بيوت تحب القراءة وتحترمها وتحث عليها، فتلبي ذلك الشغف، بتوفير مكتبة داخل المنزل أو بالمساعدة في شراء الكتب من خلال توفير جزء من مصروفنا لزيارة المعارض واقتناء الكتب التي نرغب بها، أو حتى بالتشجيع على الاشتراك في المكتبات العامة، لكن واقع الحال يشعرنا أن هذا أصبح مجرد ذكرى، وأن ما كان يسمى بــ مكتبة العائلة” أمر اندثر من بيوتنا ومن حياتنا لصالح الكمبيوتر والإنترنت، لكن السؤال الملح هنا هل وسائل التكنولوجيا تغني حقاً؟ وهل لاتزال الأسرة تهتم ببناء شخصية وثقافة وتوجهات الأبناء، أم أن البحث عن المادة أسقط كل هذه النقاط من الاهتمام؟
تتباين الآراء حول هذه الطروحات، فهناك من يرى أنه رغم التنوع المعرفي وتعدد الوسائط الثقافية وجود مكتبة في البيت يمثل ضرورة مهمة، خاصة وأنها أصبحت من الأساسيات المتاحة في كل منزل جديد، ويراها البعض الآخر مجرد ترف يقع على عاتق رب المنزل وبدون محصلة تذكر، فقد تهمل الكتب وتبقى حبيسة الرفوف، يمر عليها الزمن ويعلوها الغبار وتصاب بالإهمال، إذ تحولت المنافسة اليوم من التنافس على الشأن المعرفي بوسيلته الأساسية “الكتاب” إلى التنافس على اقتناء أدوات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، مما أدى إلى تحوّل عميق في النظر إلى مصادر المعرفة، فكما كان المثقف سابقاً يسعى لمتابعة كل جديد في إصدارات الكتب، أصبح اليوم يسعى ليكون على تماس مباشر مع ما تقدمه التكنولوجيا من جديد، لذلك أصبحت المكتبات شكلاً جمالياً بسبب سهولة الحصول على المعلومة من خلال الأجهزة اليدوية واختلاف طرق القراءة، وعالم الورق بات لا يواكب التطور السريع الذي يمشى عليه البشر.
وإذا توقفنا عند الدراسات التي أجريت في هذا الشأن نراها جميعها تؤكد على ضرورة وجود المكتبات في المنازل لأنه يعزز الممارسات الاجتماعية الإيجابية لأفراده وتحديداً للمراهقين ويستمر معهم حتى يكبروا، كما أنها تخلق أثراً إيجابياً، وتعزز المهارات في مجال القراءة الفعالة التي تساعد على المشاركة في المجتمع وإنجاز أهداف شخصية، وفي مجال استخدام التكنولوجيا الرقمية للاتصال بالآخرين، بالإضافة إلى جمع وتحليل وتركيب المعلومات والفوائد التي يجنيها الصغار من آبائهم المتعلمين، وتعزيز القدرة على القراءة، والأثر الإيجابي للمكتبات المنزلية لا يزال مستمراً حتى في هذا العصر الرقمي، لأن شغفنا بالكتب التي اخترناها وحنيننا لمرحلة كان الكتاب فيها هو أفقنا المعرفي يجعل المكتبة ملاذاً لنا في الهروب من واقعنا المزدحم بالتعب فنستعيد عبر هذه الكتب زمناً من ألق المعرفة التي تمثلت خطوتنا الأولى في دربها بالكتب التي كانت خزينتنا المعرفية الأولى والتي شكلنا منها ثروة معرفية تشكل بكليتها مكتبة بطابع شخصي إلى جانب اهتمامات باقي أفراد الأسرة التي تشكل بمجموعها مكتبة منزلية فريدة وغنية بمحتوياتها، وهنا قد ينقلب السحر على الساحر فالطفل الذي يترعرع وسط جو أسري هاجسه الأول الكتاب سيقلد هذا الطفل أهله ويبتعد عن الإنترنت والألعاب الترفيهية والفضائيات والوسائل الأخرى التي اختطفته لفترة من الزمن ويصبح تعاطيه معها أقل، ولعل الأهمية الأكبر للمكتبة المنزلية أو مكتبة الأسرة تكمن في تغيير أنماط حياة الأبناء وتعلم السلوكيات الإيجابية والقيم الأخلاقية، وتنمية الحصيلة اللغوية وزيادة الوعي الإدراكي والخيال العلمي والتعرف على أفكار وتجارب الآخرين واستثمارها في حل المشكلات.