دراساتصحيفة البعث

الصين.. من حظ باكستان الجيد

علي اليوسف 

فجأة، تمّ وضع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في خانة الإطاحة من قبل الولايات المتحدة، وتمّ الإيعاز لأحزاب المعارضة باتخاذ ما يلزم لتنفيذ الأجندة الأمريكية. وعلى الرغم من عدم اتضاح المشهد القادم، إلا أن الأجندة الأمريكية لن تتوقف، وقد تمتد إلى ترتيب ثورة “غير ملونة”، أي عبر انقلاب عسكري، خاصةً وأن الجيش هو الحاكم الفعلي، وقام بأربعة انقلابات منذ تأسيس باكستان معظمها، إن لم تكن جميعها، بترتيب أمريكي.

تاريخياً، تشهد العلاقات الأمريكية الباكستانية من وقت إلى آخر موجة توتر تصل إلى قمتها ثم تتراجع، لكن يبدو أن أفق الأزمة الجديدة بحاجة إلى قراءة مختلفة عن الأزمات السابقة، على خلفية وجود رئيس أمريكي يختلف عمن سبقه من الرؤساء.

بداية، من الضروري معرفة الدوافع الأمريكية لإدراج عمران خان في دائرة الاستهداف، حيث تشير معظم المعطيات أولاً إلى رفضه سابقاً وقف دعم حركة “طالبان” والوقوف خلف نجاحها في التعجيل بهزيمة الولايات المتحدة، ثانياً انضمامه إلى مبادرة “الحزام والطريق” وتوقيعه معاهدة تعاون اقتصادي مع الصين تبلغ قيمتها نحو 62 مليار دولار، ثالثاً تأييده للموقف الروسي في أوكرانيا وذهابه إلى موسكو في بداية الأزمة والحفاوة البارزة التي لقيها من الرئيس فلاديمير بوتين، رابعاً إقامة علاقات استراتيجية مع إيران واتهامه بتقديم مساعدات لتطوير برامجها النووية، وأخيراً رفض طلبات أمريكية عديدة لإقامة قواعد عسكرية.

منذ خمسينيات القرن الماضي، كان هدف واشنطن من تمتين علاقاتها مع باكستان هو ضمان موطئ قدم بالقرب من الاتحاد السوفييتي السابق. ومن الطبيعي أن ترى الولايات المتحدة في باكستان مجرد بلد ضعيف يقدّم لها خدمات مقابل مساعدات. وبالفعل، تخلّت أمريكا عن تسليح حليفتها باكستان في حربها مع الهند عام 1965 مع أن واشنطن هي المصدر الرئيسي لتسليح باكستان حينذاك، وتركتها وحيدة في حرب عام 1971. بعد ذلك تبدّل موقف واشنطن وفضّلت التعامل مع نيودلهي على إسلام آباد، فجاء الموقف الأمريكي من إعلان الهند امتلاك السلاح النووي أقل حدة من إعلان باكستان عن المسألة نفسها.

كان من الطبيعي أن تفكر إسلام آباد في حليف آخر ملائم، وهذا ما بادر إليه رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو في بداية السبعينيات حين توجّه إلى الصين. واليوم من حظ باكستان الجيد هذا الصعود الاقتصادي القوي لجارتها الصين، فقد أتاح هذا التطور الكبير لإسلام آباد أن تتحرك في علاقتها بدول الجوار والقوى الكبرى في العالم بحيث لا تبقى رهينة لطرف واحد.

إذاً التقارب مع الصين هو السبب الرئيسي لإثارة هذه الموجة من الاضطرابات في باكستان، خاصةً وأن استراتيجية بايدن للأمن القومي ركزت بشكل لا لبس فيه على الصين، وعليه إذا استطاع عمران خان تجاوز هذه الفوضى-على الأغلب لن تسمح روسيا والصين بحدوث ارتجاجات في محيطهما- فقد تمّ ضمان انضمام حليف آخر إلى المحور الدولي الجديد الذي سيتشكّل عقب الحرب الروسية- الأوكرانية.