الأوروبيون ينتظرون الرئيس الفرنسي القادم
هيفاء علي
يبدو أن الأوربيين مهتمون بالانتخابات الفرنسية أكثر من الفرنسيين أنفسهم، وينتظرون قدوم الرئيس الجديد بفارغ الصبر، ذلك أنه عندما يتوجّه المواطنون الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع، سيقوم نحو 45.5 مليون ناخب مسجل فقط بالإدلاء بأصواتهم لتحديد من سيصبح الرئيس الفرنسي القادم، لكن نتيجة التصويت ستؤثر على جميع مواطني الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 400 مليون. وبحسب المحلّلين الأوروبيين، تمتلك فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وهي واحدة من الدول المؤسّسة للكتلة، وإذا ظهر رئيس فرنسي لديه أجندة إيجابية للاتحاد الأوروبي فسيكون قادراً على تشكيل تحالف قويّ مع الحكومة الائتلافية الجديدة في ألمانيا، والتي التزمت بوضع إجراءات الاتحاد الأوروبي في صميم نهجها السياسي. وعلى العكس من ذلك، إذا تمّ انتخاب رئيس فرنسي غير مقتنع بدور الاتحاد الأوروبي في التعامل مع التحديات العالمية، فإن تحالف الدول الأعضاء الراغب في استثمار رأس المال السياسي في بناء السيادة الاستراتيجية الأوروبية سيظهر بشكل ضعيف.
حتى الآن، تركز معظم التغطيات الدولية حول الانتخابات الفرنسية على “الانعطاف الحاد نحو اليمين في السياسة الفرنسية”، حيث يوجد اثنان من المرشحين من اليمين المتطرف يخوضان المنافسة هذا العام، وهما مارين لوبان واريك زمور. وقد ظهرت الهجرة والأمن وانخفاض القوة الشرائية كقضايا مركزية في النقاش الانتخابي، لأن الناخبين الفرنسيين يشعرون بالإحباط واليأس. وقد أشار استطلاع للرأي أجري في 11 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، إلى أن 85% من الأوروبيين لا يتفقون مع مجموعة من البيانات حول النظام السياسي الحالي الفرنسي والأوروبي عموماً، فيما وافق 58% من الأوروبيين على فكرة أن الناخبين العاديين ليس لهم أي تأثير على السياسة الحالية. أما في فرنسا، فكانت هذه النسبة 63%. ومن المتوقع أن تكون معدلات الامتناع عن التصويت عالية في الجولة الثانية، بالنظر إلى نسبة التصويت المنخفضة التي شوهدت في الانتخابات في السنوات الأخيرة. ففي عام 2017، صوّت نحو 75% من الفرنسيين مقارنة بأقل من 35% صوتوا في الانتخابات الإقليمية في عام 2021. ومن ثم، فإن المشاركة المنخفضة في الانتخابات المقبلة سترسل إشارة مقلقة في مواجهة خيبة أمل الأوروبيين والفرنسيين معاً المتزايدة تجاه السياسة.
من هنا، تشكّل نتيجة الانتخابات الرئاسية حالة الاختبار بالنسبة لفرنسا لمواصلة جهودها لتعزيز السيادة الأوروبية ليس فقط في مكافحة تغيّر المناخ وأزمة كورونا، ولكن أيضاً في ضمان اتخاذ إجراءات موثوقة بشأن قضايا السياسة الخارجية على الساحة الدولية.
من جهة أخرى، كشف استطلاع الرأي نفسه عن مفارقة فرنسية، وهي أنه على الرغم من أن الحكومة دافعت عن السيادة في السنوات الأخيرة، فإن الشارع لديه وجهة نظر سلبية من السيادة الأوروبية. وبحسب المحلّلين، قد يكون أحد تفسيرات ذلك هو أن ماكرون وفريقه ركزوا بشدة على إقناع الأوروبيين الآخرين بأنهم لم يكرسوا القدر نفسه من الطاقة للدفاع عن رواية السيادة الأوروبية وتجسيدها في الداخل. بالمقابل لدى الفرنسيين واحدة من أكثر وجهات النظر سلبية تجاه الاتحاد الأوروبي، ما دفع المحللين إلى وصفهم بـ”المتشككين” لعدة أسباب، فالفرنسيون يدعمون فكرة أوروبا أكثر من دعم مؤسسات الاتحاد الأوروبي وهياكله، وهم متشككون نسبياً بشأن التكامل الأوروبي، لكنهم يظهرون أيضاً ارتباطاً قوياً بالاتحاد الأوروبي وانفتاحه على الآخرين، والتزامه بالمبادئ الأوروبية والسياسات المشتركة ودوره في العالم. إذاً الجهل وقلة الوعي بكيفية عمل الاتحاد الأوروبي هو عنصر رئيسي في عدم ثقة فرنسا بالاتحاد. وفي حال إعادة انتخابه، يعتزم ماكرون متابعة أجندة الإصلاح الاقتصادي لتقديم “أوروبا التي تحمي” التي كان يدافع عنها طوال السنوات الخمس الماضية، كما يتعيّن عليه بذل جهود كبيرة على المستوى الأوروبي، وأخيراً يُظهر الاستطلاع أنه لا توجد مشكلة تتعلق بأسلوب القيادة الفرنسية بقدر ما تتعلق بجوهر ما يقوده الفرنسيون.
بالمجمل، أظهرت نتائج الاستطلاع أن من سيفوز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة سيكون له تفويض لبناء السيادة الاستراتيجية الأوروبية، والقيادة الفرنسية في الاتحاد الأوروبي ليست محل نزاع حاد، كما يعتقد العديد من المعلقين، إذ يدرك المواطنون الأوروبيون الحاجة إلى تعاون الاتحاد الأوروبي بشأن التهديدات التي يخشونها، وتقضّ مضاجعهم.