مبادرات “الخير”..؟!
بشير فرزان
يلاحظ في هذه الأيام القاسية تراجع ما يمكن أن نسميه “المدّ المجتمعي الخيري” الذي لم تعد لمبادراته تلك الفاعلية والحضور القويّ داخل الحياة العامة، ومنها أسواق الخير التي لا تملك من تسميتها شيئاً وتنتقص من قيمة العمل الخيري، فالأسعار فيها تكاد تكون متطابقة مع غيرها من الأسواق من حيث الارتفاع، وبشكل يزيد من غبن المواطن الذي يلجأ إليها على أمل التوفير وتخفيف العبء المادي، إلا أن ذلك لا يتحقق، وهذه الحقيقة أكدتها انتقادات الوزراء والمحافظين الذين زاروا هذه الأسواق وتعرفوا على أسعارها وأدانوها بالارتفاع وابتعادها عن هدفها الرئيسي!.
ولا شكّ أن هذا الواقع الذي بات افتراضياً لجهة الخيري بكل مجالاته أجّج حالة انعدام الثقة بالعديد من المبادرات التي باتت عاجزة في تمثيل العمل الخيري، وخاصة مع تكاثر الصعوبات والتحديات المعيشية، فالمواطن يمرّ هذه الأيام بصعوبات حياتية جمّة جعلته عاجزاً عن تأمين أبسط مستلزماته الحياتية التي تؤمّن له المعيشة اللائقة، وفي الوقت ذاته تقيه شر الحاجة التي استوطنت يومياته المثقلة بأعباء وهموم لا تُعدّ ولا تُحصى لأسباب معروفة، في مقدمتها الحرب والحصار وفقدان الكثير من المواد أو تعرّضها لأزمات “الخبز والمحروقات والغاز والكهرباء والمواد التموينية” وغيرها من المواد التي تدين بغيابها المجتمع الدولي إلى جانب مسؤولية بعض الجهات المعنية عن سوء إدارة الملفات.
وأمام هذه الظروف الصعبة التي نمرّ بها جميعاً لابد من توحيد الجهود، والتأكيد على أن أهمية دور الجهات المعنية وواجبها في تأمين كل المتطلبات المعيشية للمواطن يتوازى مع مسؤولية المجتمع الأهلي بكل مكوناته (رجال الأعمال والتّجار) من خلال القيام بدور اجتماعي في مختلف جوانب الحياة بحيث يتصدّى كلّ في موقعه، مواطناً كان أم مسؤولاً أو مؤسسة، لمهامه ومسؤولياته على أكمل وجه من خلال العمل المشترك والتنسيق لمسح آثار الحرب ومكافحة الفساد والانطلاق نحو مرحلة جديدة في حياة البلد.
ومن الضروري في شهر الخير والبركة “شهر رمضان” الإشارة إلى أن الكثير من المبادرات الخيرية، رغم بساطة ما تقدّمه، ترفع من معنويات المواطن السوري المقاوم الصامد الصابر أمام كل التحديات التي فرضها ذلك الحصار الجائر، حيث نرى بعضها على عكس ما يتمّ الترويج له، تعمل بكامل طاقاتها رغم ما تعرّضت له خلال سنوات الحرب من استنزاف لإمكاناتها التي حُشدت على جبهة الحرب وتعزيز الصمود المجتمعي. ولكن يجب الانتباه هنا إلى حالة من التشابه بين أسباب تراجع فاعلية أداء العمل المؤسساتي واضمحلال نتائجه أمام حقيقة الواقع المعيشي المأساوي، وحالة انحسار المدّ الخيري أمام تفاقم الفقر والحاجة وبشكل يخفي حقائق كثيرة عن اختباء أوجه الفساد بين تفاصيل العمل الخيري، سواء في الجمعيات الخيرية أو المؤسّسات الداعمة تحت المظلة الدولية، وخاصة لجهة تسرّب بعض خيرات هذا القطاع للجيوب الخاصة بطرق مختلفة، وبعضها يتغطّى بالصفة القانونية تحت مسمّى “محتاج” دون أساس أو روائز صحيحة، وبشكل يحرم المحتاج الحقيقي من الاستفادة التي يحتاجها!.
باختصار.. حصاد سنوات من الحرب والصمود بات وشيكاً، ولابدّ من تضافر الجهود من أجل النجاة، فضنك العيش الذي يسيطر على الحياة يفرض المزيد من التعاضد والتماسك وتصحيح المسارات ومدّ يد العون، سواء للناس الذين يحتشدون أمام مقرات الجمعيات الخيرية للحصول على مساعدات وحصص تسند عوزهم، أو لأولئك المدرجين في خانة الدخل المحدود والذين يلاحقهم رفع الدعم في أصعب الظروف الاقتصادية.