ثقافةصحيفة البعث

“مع وقف التنفيذ”.. رواية لشخصيات متناقضة من الداخل

اللحظات الصامتة لكاميرا سيف الدين السبيعي والمتتبعة حركة الشخوص ونبض الحياة في المدينة، مع تأثيرات موسيقا طاهر مامللي، كانت إحدى العناصر التي أغرت المشاهدين بمتابعة مسلسل “مع وقف التنفيذ” (سيناريو مشترك ليامن الحجلي أحد أبطال العمل وعلي وجيه)، ويتصدّر المحطات والأعمال الاجتماعية، ويعدّ الأقوى من حيث المضمون والإخراج والمتابعة، والأقرب بلغته الدرامية إلى الواقع الحياتي الذي نعيشه دون مبالغة، وهو يأتي ضمن مشروع سبيعي بتقديم كاميرا اجتماعية واقعية هادفة.

ويبدو العمل الأقرب إلى واقعنا أشبه برواية تعجّ بالشخصيات المتأزمة بعد سنوات الحرب، وبعضها يتصف بتناقضات داخلية تؤجّج الصراع الخارجي الذي تعيشه مع المحيط العام، فعمل سبيعي على الانتقالات المشهدية بين الشخصيات بانسيابية تزيد من عنصر التشويق، وبتعدّد الأمكنة من المنزل إلى الشارع إلى المقهى إلى أماكن العمل بحركة دائرة ليوميات المدينة المتعافية والحارة الشعبية “العطارين” التي تدور فيها الأحداث المتصاعدة للشخوص بعد عودتهم إلى الحارة بعد الحرب، ومحاولة استعادة ذواتهم المتضررة، وفي الوقت ذاته العمل على إعادة الحياة إليها من خلال المشهد الأول بزيارة المحافظ والإصغاء إلى طلبات السكان، واختزال صباح جزائري (أم شاهين) معاناة السوريين في زمن الحرب.

المواجهة بين النواب 

وقد ركّز المسلسل على صراع بين الشخصيات يصل إلى درجة الانتقام في حالات. ولأول مرة تقدم سلاف فواخرجي شخصية نائب بالبرلمان بعدما انطلقت من الحارة الشعبية من بيئة متدينة بسيطة، فهي ابنة شيخ الحارة، وتزوجت من رجل بموضع القوة والنفوذ (فايز قزق) الذي بدا بكاركتر جديد للشخصية من حيث الشكل واللهجة المتداولة بالعشائر، فيدعمها لتصبح نائباً في البرلمان ويستغلها لتحقيق صفقاته. وتكبر جنان مع عمليات الفساد وتمرير المصالح بطرق قانونية مقابل نسبة مالية، مثل شحنة القمح وشحنة الأقمشة وغيرها، وتؤدي جنان دوراً أساسياً بالعمل ضمن إطار شخصيتها المركبة والمتناقضة، إذ تعيش التناقض أيضاً في حياتها الشخصية بتعرضها للعنف والضرب من قبل زوجها  وهي نائب – وفي وجه آخر من شخصيتها ترغب بعودة العلاقة مع والدها الذي يرفض سلوكياتها، وتحاول مساعدة أبناء حارتها، إلا أنها تغرق بتنفيذ مصالح زوجها.

المنعطف في حياتها في مشهد إحدى الجلسات ومواجهتها من قبل أحد النواب الشرفاء (محسن غازي) الذي يحضر لكشف أوراقها ويتعاون مع الصحفي أبو شوق الذي يدفع حياته ثمناً لتقريره.

الصحفي الملتزم

أما غسان مسعود فيمثل شخصية الصحفي الملتزم الذي يدافع بالكلمة عن بلده، ولا يتوانى عن فضح سلوكيات الفساد رغم المضايقات التي يتعرّض لها بالاستجواب. وفي جانب آخر، يعيش ضغوطات مع عائلته نتيجة سفر أولاده، وهو يساري وأحد الأصدقاء الثلاثة مع أبو شوق والمناضل القديم صافي (سيف الدين سبيعي)، ويلعب لقاؤهم بالمقهى دوراً بمتابعة الأحداث ولاسيما بملف جنان، كما يكشف حقيقة مقتل صديقه أبو الشوق، ويواجه جنان التي بقرارة نفسها ترفض مبدأ القتل والدم، لكنها لا تقوى على مواجهة زوجها وترضخ لقراراته.

انتهازية الفرص

في حين يؤدي عباس النوري (فوزان) دوراً مختلفاً ويظهر بأوجه عدة لا تخلو من الطرافة، فيحاول أن يحقق مصالحه الصغيرة مستغلاً حاجة سكان الحارة، وفي الوقت ذاته يستغل ابنتيه بتزويجهما لمن يستفيد منه مادياً ويكسب منه (طابو أخضر)، ويلعب بحياتهما بالزواج والطلاق لمصلحته. إضافة إلى عائلة هاشم (فادي صبيح) المتوسطة التي تحاول أن تصمد في وجه المشكلات اليومية، التي يكون فوزان أحد أطراف النزاع فيها، وتتأزم من هرب عتاب أخت هاشم (صفاء سلطان) من المنزل لتصبح درة راقصة ومغنية، تعيش مشاعر الحزن لحلمها بالعودة إلى منزل أهلها في الوقت الذي يضمر لها شاهين الانتقام.

الانتقام

وتمضي الأحداث بتشعبات تصبّ كلها بدائرة الانتقام على الصعيد الشخصي، وعلى الصعيد العام من خلال شخصية عزام (يامن حجلي) الضابط المسرّح ظلماً، والذي فقد زوجته وأحد طفليه الرضيعين برصاصة القناص ليلة الخروج تحت أزيز الرصاص ووقع القنابل، فيتعرّض لموقف حزين ومؤلم حينما يدفن الرضيع الحيّ مع أمه بدلاً من الرضيع الميت، ثم يتابع حياته من أجل الانتقام من المالك الحقيقي للمحطة “الكازية” الذي تعاون مع الرجال المسلحين مقابل حماية الكازية مستغلاً بسمة (ريام كفارنة) ابنة فوزان وزوجة سليم (وائل زيدان) مدير المحطة التي تحبه من قبل أن يتزوج لكنه لا يبادلها المشاعر.

يمرر العمل مشهداً لأحد مظاهر التناقض وعدم الالتزام بالكلمة والموقف، ففي المشهد الأول يقترب فوزان من المحافظ طالباً مقابلته بالمكتب ويعده المحافظ باستقباله في أي وقت، لكن حينما يذهب يجد أن اسمه غير موجود.

قيد التنفيذ

وما زالت الأحداث في تصاعد تحمل مفاجآت قد تغيّر من مصائر الشخصيات، كما ورد في الشارة محاولة قتل جنان من قبل زوجها “رصاصة من جهة معادية”، واستمرار غسان مسعود بمساره المناضل ليصل إلى توثيق أحداث ما بعد الحرب برواية تحمل اسم المسلسل، والسؤال: ما الذي سيبقى مع وقف التنفيذ؟ أهو الحكم، أم الانتقام، أم الحب، أم الحلم، أم الأمل؟؟ هذا ما ستكشفه الحلقة الأخيرة.

ملده شويكاني