تأخر الإجراءات الإدارية يفاقم المزيد من الخسائر.. إلى متى هذه الظاهرة “التعطيلية”؟!
عبد اللطيف شعبان
لا يخفى على أحد أن تأخر وتردد الإجراءات الإدارية، كان وراء عدم تحقق المنشود منذ عقود في ميادين كثيرة، وخاصة ميادين الإصلاح الإداري والإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد، وقد أشار السيد الرئيس إلى ذلك في كلمته التوجيهية للحكومة بتاريخ 14 – 8 – 2021 عندما قال: الثورة التشريعية بدأت منذ 15 عاما..، ولكن النتائج كانت ضعيفة بسبب الإدارة، ولا يزال واقع الحال كسابقه يظهر بشكل جلي أن التأخر والتردد في اتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة والحاسمة، يرتب خسائر اقتصادية كبيرة تلحق بالمواطنين وبالجهات الرسمية الفرعية والمركزية..
الأمثلة على ما سلف كثيرة والمثال الحي من محافظة طرطوس، فآلاف أصحاب المساكن الموجودة على الواجهة الشرقية لشاطئ مدينة طرطوس ( والمتاخمة للكورنيش البحري الممتد من نهر “الغمقة” جنوباً وحتى مطعم “مشوار” شمالاً، وبعمق نحوا 100م، تضرروا كثيرا نتيجة حرمانهم من حق تحديث مساكنهم والاستثمار الاقتصادي لعقاراتهم، منذ قرابة خمس عقود مضت، لأن السلطات المعنية منعتهم من التحديث والتجديد في عقاراتهم، حيث قررت واعتمدت أن تكون الأبنية الجديدة في هذه المنطقة، وفق دراسة تنظيمية تشمل كامل العقارات بما يليق بالشاطئ البحري، على أن تكون هذه الدراسة واجبة الإعداد والاعتماد السريعين.
ولكن الإجراءات الإدارية بخصوص هذه الدراسة التنظيمية، لا تزال حتى تاريخه قيد الأخذ والرد منذ نحو خمسين عاما، بين يدي الجهات المعنية في المحافظة والعاصمة، رهن تتالي مئات الاجتماعات والمداولات والمراسلات والاقتراحات والتعديلات والتوجيهات، وكثيرا ما تراوح الفاصل الزمني بين ّإجراء وآخر أشهرا وسنوات، تحت حجج من جهة وتبريرات من جهة ثانية وتأويلات من جهة ثالثة، وتعطيل عن جهل أو قصد من جهة رابعة، ما تسبب في إعادة الأمور إلى الوراء مرات عديدة، وخابت آمال أصحاب المساكن المساكين، فلا عمل توثَّق ولا أمل تحقَّق، وتتكرر الوعود تلو الوعود.
إن تأخر البت في هكذا موضوع خلال السنوات الطويلة التي مرت، تسبَّب في خسارة مئات الملايين لكل صاحب مسكن نتيجة الفروق الكبيرة بين كلفة استثماره لمسكنه يوم كانت المواد رخيصة، ونتيجة فوات المنفعة عليه طيلة هذه السنوات، عدا عن العوائد الكبيرة التي خسرتها البلدية والميزانية العامة للدولة.
وأخيرا كان من المأمول التوصل إلى نتيجة نهائية بدايات هذا العام، بعد أن تم اقتراح تصديق المخطط التنظيمي الجديد لعقارات هذه المساكن من قبل اللجنة الفنية الإقليمية، ولكن هذا الأمل تبدد بقرار صدر مؤخرا عن وزير الإسكان والأشغال العامة قضى بعدم تصديق المخطط المقترح، بحجة عدم التزام معدِّيه بما تم الاتفاق عليه سابقا، ما كرَّس استمرار واقع الواجهة البحرية السيئ على ما هو عليه لأشهر وربما لسنوات لاحقة .
بغض النظر عن احتمال أحقية أو موضوعية أو شرعية قرار السيد الوزير، أو ما سبق ذلك من ردود أخرت البت في الموضوع، أرى من حق كل متابع ومهتم ومتضرر أن يسأل: إلى متى يبقى هذا الموضوع رهن الرؤى المتجددة والمراسلات المتعددة؟ أليس من المقتضى أن تتداعى جميع الجهات المعنية إلى البت السريع فيه، من خلال الجلوس على طاولة واحدة لعدة أيام، والنقاش الجماعي وجها لوجه اعتمادا على ما تظهره الوثائق المؤيدة بالحقائق، وبالتالي اتخاذ القرار النهائي الحاسم، فمن يقف على الشاطئ في هذه المنطقة وينظر غربا في جمال البحر يسبح في الأمل، ولكن من ينظر شرقا يغرق في الخجل، عند النظر إلى الأبنية القديمة المتهالكة، الذي كان من الواجب أن يكون بديلها الجديد المنشود قائما عقب سنوات قليلة من القرار الذي تضمن ذلك، لا أن تمضي عقود..!؟
وتبقى الخشية من انقضاء قرون، طالما دخل الموضوع في النصف الثاني من قرن التأخير، وعليه لا نرى أحقية العتب على عدم اتفاق آلاف أصحاب المساكن فيما بينهم، على ما تم طرحه عليهم من اقتراحات، بل العتب كل العتب على عدم اتفاق عشرات أصحاب القرار في الجهات المعنية.
حبذا أن يكون قرار الطاولة الأخيرة الحسم السريع للموضوع، متضمنا التعويض، بصيغة أو أخرى، على أصحاب العقارات، بمبالغ تقارب قيمة الخسائر وفوات المنفعة التي لحقت بهم خلال السنين الفائتة، وربما قد يكون من حقهم رفع دعاوي قانونية تتضمن هذه المطالبة في حال عدم إنصافهم، فالملكية مصانة، وصاحب الحق سلطان، ولنتذكر جميعا، أن المزيد من الأخذ والرد نوع من التعطيل والهدر، سواء ما كان منه ناجما عن جهل أحد أصحاب القرار أو عمدا من ثاني أو تجاهلا من ثالث والمزيد من التجريب أقرب ما يكون إلى التخريب.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية