دراساتصحيفة البعث

العملة الصينية ستكون “المنقذ”

 عناية ناصر 

لجأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى اتخاذ إجراءات جذرية لإنعاش الاقتصاد الأمريكي بعد جائحة كوفيد-19، من ضمنها خفض أسعار الفائدة إلى الصفر وإطلاق التيسير الكمي غير المحدود . ونظراً لأن هذه الإجراءات أدت، من بين أمور أخرى، إلى الارتفاع المستمر في التضخم في الولايات المتحدة، يتوجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة، وحتى تقليص ميزانيته العمومية في المستقبل القريب لاحتواء التضخم، وتجنب آثار التضخم المرتفع على الاقتصاد. ولكن من خلال التغيير في سياساته، أوجد الاحتياطي الفيدرالي قنبلة موقوتة للاقتصادات الناشئة.

ومن المتوقع نتيجة وضع التضخم المضطرب، وارتفاع أسعار السلع العالمية في أعقاب الصراع بين روسيا وأوكرانيا والعقوبات الغربية ضد روسيا، أن تواجه الولايات المتحدة ارتفاعاً في التضخم في الأشهر القليلة المقبلة، و ربما لهذا السبب بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة من أجل إبطاء التضخم، الذي هو الأعلى منذ 40 عاماً. ولمواجهة شبح التضخم المرتفع، قد يعلن الاحتياطي الفيدرالي عن تخفيض ميزانيته العمومية البالغة 9 تريليونات دولار في شهر أيار القادم، وسيكون لهذه الخطوة تأثيرات خطيرة على الاقتصادات الناشئة، ومنها:

أولاً: إن السيولة الزائدة في الولايات المتحدة ستجعل الأسواق الناشئة أكثر تقلباً، فمنذ انتشار الوباء، أدى التيسير الكمي غير المحدود الذي اعتمده البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إثارة الذعر بين المستثمرين. و أدى هذا، إلى جانب نقص السيولة في السوق، إلى قيام الشركات والبنوك المركزية والمستثمرين من جميع أنحاء العالم بتخزين الدولارات أو الأصول المقومة بالدولار كضمان، وبيع أصول البلدان الأخرى بما في ذلك الأسواق الناشئة.

لم يتسبب هذا فقط في ارتفاع تكلفة التمويل المقوم بالدولار إلى مستويات قياسية، بل جعل أيضاً من الصعوبة بمكان على المستثمرين العالميين إلغاء الدولار في تعاملاتهم. ونظراً للتوقعات الاقتصادية العالمية القاتمة، سيتوجب على بلدان الأسواق الناشئة تصدير المزيد من المواد الخام والأدوات المنزلية والسلع الصناعية إلى الولايات المتحدة إذا كانوا يريدون تأمين المزيد من الدولارات أو الأصول الدولارية كاحتياطيات أجنبية من أجل استقرار اقتصاداتهم وعملاتهم.

إن جوهر نموذج التعاون الاقتصادي غير المتكافئ هذا هو أن الولايات المتحدة تستحوذ على فائض أرباح اقتصادات الأسواق الناشئة وتستخدمه لتمويل طباعتها غير المحدودة من الأوراق النقدية وتزايد العجز، مما يعني أيضاً أن عدداً متزايداً من فقراء العالم سيضطرون إلى العمل بشكل أكبر في المستقبل لإنتاج المزيد من السلع الاستهلاكية والصناعية وبيعها للولايات المتحدة لكسب سندات الدولار.

ثانياً: من المرجح أن يؤدي رفع سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى حدوث أزمة مالية في الاقتصادات الناشئة، حيث سيؤدي إلى انخفاض قيمة عملات الاقتصادات الناشئة، وبالتالي زيادة عبء ديونها الخارجية. وعلى الرغم من انخفاض قيمة عملة الدولة يعتبر مفيداً لصادراتها، ولكن نظراً للنمو الاقتصادي الضعيف والطلب الخارجي للولايات المتحدة والدول الأوروبية، فإن انخفاض قيمة العملة لن يساعد في تحسين القدرة التنافسية التصديرية للاقتصادات الناشئة، وبدلاً من ذلك سيرفع أسعار السلع المستوردة بالنسبة لهم.

بالرغم من أن رفع سعر الفائدة الفيدرالي سيعزز الدولار ويسرع التدفق الهائل للأموال من الأسواق الناشئة إلى الولايات المتحدة، لن يؤدي ذلك إلى جعل عملات البلدان الأخرى عرضة للخطر فحسب، بل أيضاً إلى زعزعة استقرار أسواق الأسهم فيها، وإلحاق الضرر باقتصاداتها، وحتى إلى حدوث أزمة مالية إقليمية.

ثالثاً: سيؤدي رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة إلى تفاقم مخاطر الديون في الاقتصادات الناشئة التي يبلغ سداد ديونها الخارجية ذروته في 2022 أو 2023. وعلى خلفية رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة وتشديد السيولة العالمية، يمكن أن تؤدي التكلفة المتزايدة لخدمة ديون الدولار للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية إلى تفاقم مخاطر جولة جديدة من التخلف عن سداد الديون، وإشعال أزمة ديون عالمية والتي ستضرب بشكل خاص الأسواق الناشئة، والاقتصادات النامية.

وعلى الرغم من أن رفع أسعار الفائدة الفيدرالي كان له تأثير خطير على الأنظمة النقدية والمالية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، من المتوقع أن تلعب العملة الصينية دور “المنقذ” وتساعد على استقرار سعر الصرف وتقليل تقلبات النظام المالي العالمي، وفي تعزيز ثقة العالم في اليوان، ودفع المزيد من الدول إلى تعميق التعاون الاقتصادي مع الصين، والذي بدوره سيعزز تدويل اليوان ويساعد الصين على تعميق التعاون مع الدول المشاركة في مبادرة “الحزام والطريق”.