دراساتصحيفة البعث

الحروب الأمريكية وتغير المناخ

عناية ناصر

يواجه العالم مشاكل الطاقة الناجمة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إذ قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن العالم “يتجه نحو كارثة المناخ”، وذلك من خلال الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري لتسريع الكارثة، فالتلوث الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض يستمر في الازدياد بشكل خطير، كما أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا سيؤدي في نهاية المطاف إلى تأخير تطبيق اتفاقية باريس لبضع سنوات وذلك من خلال التأخيرات المباشرة في خطط تنفيذ إزالة الكربون.

تمت صياغة اتفاق باريس في عام 2015 لتعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ، وإبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية  خلال هذا القرن أقل من درجتين مئويتين بكثير، إلا أن  الولايات المتحدة كانت أول دولة في العالم تنسحب رسمياً من اتفاقية باريس للمناخ عندما أعلن الرئيس ترامب عن خطوة الانسحاب في حزيران 2017، وجاء الضغط  الكبير بشأن سياسة المناخ في الولايات المتحدة من قبل الشركات التي تعارض علناً الحد من انبعاثات الكربون.

تتعرض الدول النامية لانتقادات بسبب لجوئها إلى استخدام  وسائل طاقة غير سلمية وعدم التزامها بمعايير تغير المناخ، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة  تعتبر ثاني أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، لكنها تمكنت من الإفلات من مثل هذا الانتقاد، إذ يعتبر البنتاغون أكبر مستهلك للنفط، والجيش الأمريكي أكبر ملوث في العالم، حيث ينتج 750 ألف طن من النفايات الخطرة كل عام. إضافة ذلك تورطت الولايات المتحدة منذ عقود بشكل مباشر أو غير مباشر في حروب للتدخل في شؤون الدول الأخرى من خلال دعم الحروب بالوكالة، والتحريض على التمرد المناهض للحكومة، وتنفيذ الاغتيالات، وتوفير الأسلحة والذخيرة، وتدريب القوات المناهضة للحكومات، والتي تسببت في أضرار جسيمة للاستقرار الاجتماعي ولأمن تلك الدول المستهدفة، وأحدث مثال على استمرار تورط الولايات المتحدة هو حرب أوكرانيا التي كان من الممكن تجنبها.

ومن خلال إحصائيات عن الحروب الأمريكية الكبرى التي شنتها في فيتنام والعراق وأفغانستان، وجدت دراسة أجرتها جامعة كورنيل أن التكلفة الإجمالية للحرب التي شنتها الولايات المتحدة على فيتنام بلغت  200 مليار دولار. بينما كان إجمالي حمولة القنابل الأمريكية التي تم إسقاطها خلال الحرب العالمية الثانية 2،057،244 طناً، وفي حرب فيتنام 7،078،032 طناً، إذ بلغت حمولة القنابل التي تم إسقاطها خلال حرب فيتنام 1000 رطل، وأدت تلك الحرب إلى موت ما يقدر بنحو 3 ملايين شخص، وجرح أكثر من مليون شخص.

إن أحد العوامل التي تسهم في تدهور كوكب الأرض هو جيوش العالم التي تساهم بنسبة تصل إلى 10 في المائة من تلوث الهواء العالمي، ووفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” أسقطت الولايات المتحدة وحلفاؤها 61 ألف قنبلة عنقودية، تحتوي على 20 مليون ذخيرة فرعية، على العراق، وهاجمت العراق بـ13 ألف ذخيرة عنقودية، تحتوي على مليوني ذخيرة فرعية خلال “عملية حرية العراق”. كما استخدمت قوات التحالف عدة مرات ذخائر عنقودية في مناطق سكنية، ولا تزال البلاد من بين الأكثر تلوثاً حتى يومنا هذا.

وكانت الولايات المتحدة قد أسقطت الولايات المتحدة 88500 طن من القنابل على العراق في عام 1991، ودمرت 9000 منزل، إضافة إلى أنظمة المياه ومحطات الطاقة والجسور الهامة وأربعة سدود رئيسية، ودمرت معظم محطات الطاقة والمصافي والمجمعات البتروكيماوية.

أما في حربها على أفغانستان فقد استخدمت الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى أعداداً كبيرة من الذخائر العنقودية خلال المرحلة الأولى من العملية، 1228 قنبلة عنقودية تحتوي على 248056 قنبلة صغيرة. أسقطت الولايات المتحدة 7423 قنبلة على أهداف في أفغانستان في عام 2019، وهو ما يمثل زيادة  7362 عن الذخيرة التي  تم إسقاطها في عام 2018، القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية.  كما ألقت الولايات المتحدة أقوى قنبلة غير نووية في ترسانتها قنبلة “أم كل القنابل”، والمسماة  جي بي يو-43/ب على ما قالت إنه تجمع كهوف لـ “داعش” في أفغانستان، للقضاء على كل شيء في دائرة نصف قطرها 1000 ياردة.

تحتاج الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى تقاسم اللوم في التحريض على الحرب ضد أوكرانيا التي كان من الممكن تجنبها، ويتوجب على الرئيس الأمريكي جو بايدن أخذ زمام المبادرة، والانضمام من جديد إلى العالم بشأن تغير المناخ، والوفاء بالالتزامات بهذا الخصوص، لأنه ليس بمقدور العالم وأوروبا على وجه الخصوص تحمل كارثة نووية بعد الحربين العالميتين.