أرض البطولة!
بشير فرزان
ليوم السابع عشر من نيسان مكانة خاصة في الذاكرة الوطنية للشعب السوري، فهو اليوم الذي يؤرخ للثورات الحقيقية والتضحيات في معارك العز والبطولة ضد المستعمر، وهو في الوقت نفسه يمثل في وعيهم الوطني والقومي قيم العطاء والكفاح وترجمة فعلية لثقافة المقاومة التي باتت بفعل إرادة السوريين ومقاومتهم وبطولاتهم الكبيرة عقيدة الشعب السوري بكل أطيافه وانتماءاته.. ولا تستطيع الذاكرة الوطنية أن تنسى رجال الثورة الكبار من يوسف العظمة إلى سلطان باشا الأطرش، إلى الشيخ صالح العلي، إلى إبراهيم هنانو، إلى حسن الخراط، إلى كل أولئك الرجال الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل عزة بلدهم وحريته.
ولاشك أننا عندما نمسك بحفنة تراب من أرضنا المعطاء، نشعر بالحياة النابضة بالتضحيات والبطولات وتختلج في أعماقنا تلك الذاكرة التاريخية المشرفة التي تروي كل ذرة تراب فصلاً من فصول عظمتها وتقدم للعالم قصة ارتباط الإنسان السوري بأرضه وبحضارة تمتد لأكثر من سبعة ألاف عام. وخلال سنوات الحرب على الإرهاب أعاد التاريخ نفسه ليثبت من خلال ملحمة وطنية قل مثيلها بأن الجذور التي ارتوت بدماء الشهداء تزداد تجذراً وصموداً في أرضها رغم شراسة وهمجية الإرهاب.
وتأتي الانتصارات التي تحققت على الإرهاب على امتداد الجغرافية السورية لتبين تجدد تلك الروح النضالية التي خاض بها رجال الجيش العربي السوري معارك الشرف والسيادة لتجسد انتصاراتهم وبطولاتهم إصرار الشعب السوري على رفض الذل والخنوع وتمسكه بخيار الدفاع عن الوطن ودحر مؤامرات الأعداء ومخططاتهم الاستعمارية مهما تبدلت أشكالهم وتغيرت أدواتهم وتلونت شعاراتهم ولتثبت أن طريق الاستقلال والسيادة والخلاص من الإرهاب لا بد أن يعبد بدماء الشهداء فمدرسة الجلاء رسخت أساسات متينة للوحدة الوطنية ما زالت راسخة وباقية كقاعدة حاضنة وجامعة للشعب السوري الذي يواصل مع جيشه الباسل مواجهة المؤامرات التي يتعرض لها وطنه بعزم لا يلين وإرادة لا تقهر وتضحيات عظيمة لتمضي سورية بكل ثقة وثبات نحو نصر مؤزر على المستعمرين الجدد وأدواتهم الإرهابية ولتحمي استقلالها وقرارها الوطني المستقل لتعود كما كانت منارة للحضارة والتطور.
ولاشك أن ملحمة الجلاء بكل معانيها ودلالتها وأسطورة الصمود والبطولة والانتصار التي سطرها أبطال الجيش العربي السوري تثبتان أن هذه الأرض لا تنجب إلا الأبطال الذين سيبقون راية النصر مرفوعة مغروسة في صدور كل من تسول له نفسه تدنيس هذه الأرض الطاهرة، التي يحميها أبناؤها ويسيجونها بدمائهم ويخطون طريق النصر.
وما يدعو للتفاؤل، بل ما يبشر بأن ليس هناك من قوة على وجه الأرض يمكن أن تنال من عزيمة الشعب السوري أو تثنيه عن تحقيق نصره المؤزر على كل الجبهات، هو أن الشارع السوري مدرك لأهمية تكاتف الجهود في هذه الآونة لمواجهة التحديات المتزايدة والضاغطة مباشرة على لقمة عيش الناس، كما أنه مجمع على أهمية التعاون والتنسيق والعمل الجماعي المبني على أسس الشفافية بين المواطن والجهات المعنية التي يقع على عاتقها العبء الأكبر المتمثل بإيجاد الحلول ومعالجة كافة المشكلات التي تتكاثر نتيجة الحصار المفروض والذي يقلل بشكل أو بأخر من سرعة الخطوات والإجراءات المتخذة في مسارات تامين المستلزمات وتوفير الاحتياجات الأساسية.
باختصار، تتجسد الآن المعاني والدلالات الوطنية للجلاء من خلال تقاسم المسؤولية بين المواطن والمؤسسات الحكومية والاعتراف المتبادل بالجهود التي تبذل، وبحقيقة ما يعانيه المواطن وما تقدمه الدولة له في كافة المجالات، انطلاقا من حقيقة أن قوة الوطن من قوة المواطن، وأن قوة الدولة إنما هي نتيجة حتمية لإيمان المواطن وثقته بمؤسساتها والتزامه بالقانون، وبذلك نحافظ على ارث الأجداد الكفاحي في ملحمة الجلاء .