اليمين المتطرف ومستقبل أوروبا
عناية ناصر
ستحظى الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022 بالمزيد من الاهتمام خلال الأيام المقبلة وسط الصراع الروسي الأوكراني، إذ توقعت الصحيفة الألمانية “دي فيلت” أن الجولة الثانية من انتخابات هذا العام بين المرشحين إيمانويل ماكرون، ومارين لوبان قد تؤدي إلى “هزة ارتدادية أكثر خطورة”.
قبل الانتخابات، كانت معدلات شعبية ماكرون ولوبان متقاربة جداً، وكان الطيف السياسي التقليدي من اليسار واليمين في تراجع، والسياسيون اليمينيون المتطرفون مثل إريك زمور في صعود.
وعلى الرغم من أن ماكرون، بصفته ممثلاً عن “الإصلاحيين”، هزم لوبان بهامش كبير قبل خمس سنوات، إلا أن اليمين المتطرف في فرنسا مستمر في الصعود. وفي هذا العام، وصلت لوبان مرة أخرى إلى الجولة الثانية من الانتخابات، وشهدت قوى اليمين المتطرف سياسيين ناشئين حديثاً، بما في ذلك زمور ونيكولاس دوبون آيجنان. وإذا تم دمج أصوات المرشحين من الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة مثل التجمع الوطني (الجمعية الوطنية سابقاً، وحزب استرداد، وحزب انهضي فرنسا)، فيمكن القول أن اليمين المتطرف أصبح أكبر قوة سياسية في فرنسا، حيث تجاوزت أصواته أصوات ماكرون بنحو 5٪.
إن الصعود السريع لليمين المتطرف لا يحدث فقط في فرنسا، فقد أصبح من الطبيعي أن يكون لأحزاب اليمين المتطرف مقاعد في البرلمان أو أن تصل إلى السلطة في معظم الدول الأوروبية. لقد واجهت أوروبا في السنوات الأخيرة العديد من التحديات سواء كانت داخلية أو خارجية، وهناك حاجة ماسة إلى إصلاح المؤسسات السياسية وصنع السياسات. ونتيجة لذلك، ظهر رد فعل غريزي بين الجمهور، فالناس حريصون على إعادة تشكيل وتوضيح “هويتهم” لاكتساب الشعور بالأمان. ومع ذلك، فقد وجهت كل من السياسات السائدة، مدفوعة بالتفكير في تجنب المسؤولية، واليمين المتطرف مدفوعاً بالرغبة في توسيع قواه، رد الفعل هذا تجاه الشعبوية. وبهذه الطريقة، يمكن للمرء أن يلقي باللوم على العالم على جميع المشاكل الرئيسية التي واجهها، والتي تساهم في انتشار الشعبوية ومناهضة العولمة.
ولمواجهة هجوم قوى اليمين المتطرف، لم تقف السياسة الأوروبية السائدة بحزم، وبدلاً من ذلك، ومن أجل الحفاظ على نفوذهم، قبلوا أفكار أحزاب اليمين المتطرف بدرجات متفاوتة، مما أدى إلى تفاقم الميول اليمينية للسياسة الأوروبية بشكل عام.
تكمن القوة المتزايدة للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا في استراتيجيات الحشد والانتخابات الأكثر تماسكاً، فضلاً عن التحالفات الأفقية الأوسع، فتلك الأحزاب أكثر مرونة في التنظيم ونخبها أكثر حساسية للتغيرات الاجتماعية الحالية، وتضخم الأخطاء السياسية للأحزاب الرئيسية، وتزيد من حدة المواجهة بين المجتمع المحلي والعالم الخارجي، وبين عامة الناس والنخب.
لقد تم تأجيج المشاعر غير المنطقية مثل مناهضة الفكر ونظريات المؤامرة بسبب عدم استجابة الحكومة لوباء كوفيد -19، والانتشار الواسع للمعلومات المضللة، مما يوفر مساحة أوسع للأفكار السياسية اليمينية المتطرفة والمحافظة التي تنم عن كره الأجانب. في غضون ذلك، عززت الأحزاب اليمينية المتطرفة في الدول الأوروبية تحالفاتها الأفقية هذه السنوات من خلال مواقفها السياسية المميزة المناهضة للاتحاد الأوروبي والعولمة.
والأسوأ من ذلك، نظراً لأن العديد من السياسيين اليمينيين هم من الشباب، وأفكارهم السياسية أكثر قابلية للتسويق بين شباب أوروبا، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أنهم أصبحوا الدعامة الأساسية لدعم معسكر اليمين المتطرف، فهم أكثر حساسية للتحديات الداخلية والخارجية التي تواجه أوروبا، وأكثر تعطشاً للتغيير، ولكنهم أيضاً أكثر ارتباكاً بشأن هذا الاتجاه. وكونهم على دراية بتكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة، يكون الشباب أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات السياسية في عصر الإنترنت، وعلى تشكيل وتوجيه القضايا السياسية. وحتى لو فاز ماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات، فمن الصعب تغيير الواقع وحقيقة أنه كان من الصعب تجاهل اليمين المتطرف في أوروبا، لأنه سوف يكون كعب أخيل للتطور المستقبلي للسياسة الأوروبية.