هذا الظلم الثقافي!
يعيش الكتاب الأدبي والثقافي هذه الأيام نوعاً من الظلم لم يعرفه طوال حياته، ولا في أي مكان أو زمان، ولو سألنا أنفسنا، وتساءلنا معاً، عن السبب أو الأسباب لذلك، فمن الصعب أن نعرف هذا السبب أو الأسباب ولكن الجميع يقولون: إنها الظروف القاسية على الجميع وعلى كل شيء في هذه السنوات المرة والمريرة والتي ظهرت بدايات انتهائها والتخلص منها إن شاء الله!.
ولكن أصحاب الكتب من الأدباء والكتّاب والصحفيين يعرفون هذه الأسباب، بل إنهم يعرفون هذه الحقيقة وبكل تفاصيلها، فإذا وضع الكاتب خمسين نسخة من كتابه في المكتبة لكي تبيعها له المكتبة، وتأخذ أرباحها، كما هي العادة، وتعيد له أثمان كتبه وحسب الاتفاق بين الكاتب والمكتبة، فماذا يحدث هذه الأيام؟!.
.. إذا وضع الكاتب خمسين نسخة من كتابه هذه الأيام، وفي أية مكتبة في كل أنحاء المدينة.. أية مدينة!!، وريفها.. أي ريف، مهما كان واسعاً!! فإن هذا الكاتب حين يعود بعد أشهر إلى المكتبة ليعرف ماذا باعت من كتبه، وماذا يحق له أن يتقاضى من المال ثمن كتبه المباعة، فإن صاحب المكتبة يقول له: ماذا تريد أن أعطيك؟ ومن أين أعطيك؟ أنا لا أعرف أين ذهبت كتبك ومن أخذها؟ أنا لا أبيع في اليوم كله سوى كتاب واحد، أو كتابين! والسؤال الكبير هنا: ماذا يفعل الكاتب في هذه الحالة؟ وما هو رأي وزارة الثقافة ووزارة الإعلام ووزارة الداخلية في ذلك، فالمطلوب هو مجرد النصيحة القانونية: ماذا يفعل الكاتب في هذه الحالة؟! وهل يكتب ويطبع ولا يتقاضى شيئاً، لا مما دفعه من التكلفة، ولا من الأرباح على ما قام بتأليفه ونشره، وعلى حسابه الخاص؟!.
وأقول وبكل صراحة أيضاً، إن بعض الأدباء والكتّاب صاروا يوافقون على ذلك مجبرين، فيضعون جزءاً من كتبهم في المكتبات، والباقي كله يوزعونه إهداءات لكل من يعرفون من الأصحاب والأقارب والمعارف والجيران، وقد بدأت هذه العادة تنتشر وتزداد انتشاراً وبالتدريج!.
وأقول أخيراً، ولكل من يعلم ومن لا يعلم، إننا كنا نطبع الكتاب: كل ألف نسخة بخمسين ألف ليرة سورية، أي تكلفة النسخة الواحدة كانت بخمسين ليرة لا غير، ونبيعها بسهولة في المكتبات، ونربح بها، وتربح المكتبات بها أيضاً!.. أما اليوم فإن الكتاب نفسه وبالحجم نفسه، إذا أردت نشره اليوم، فستكلفك كل نسخة في المطبعة أربعة آلاف وخمسمئة ليرة سورية، فإذا أردت أن تبيعه ودون أي ربح، فمن هذا الذي سيدفع ثمن الكتاب الواحد أربعة آلاف وخمسمئة ليرة، وإن أردت أن تطبع كتابك فهل لديك الإمكانية المالية أيضاً لطباعة ألف نسخة؟ أم أنك ستطبع فقط مئة نسخة، وتهديدها هدايا، ولا شيء آخر؟ فمتى سنرفع هذا الظلم عن الكتاب والأدباء والكتّاب والصحفيين في حياتنا، يا حكومتنا الرشيدة؟.
أكرم شريم