دراساتصحيفة البعث

اندفاع الغرب المتهور

هيفاء علي

منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا للدفاع عن دونباس وحمايتها، هبّت الجوقة الغربية لإرسال الأسلحة بكافة أصنافها إلى الجيش الأوكراني، وبكثافة غير مسبوقة. وفي الأيام الأخيرة، تصاعدت التوترات بين الشرق والغرب حول أوكرانيا بدرجة كبيرة بعد بدء إرسال معدات ثقيلة إلى القوات الأوكرانية من قبل دول الناتو، وعودة “مدربي” القوات الخاصة البريطانية إلى لوتسك، غرب أوكرانيا بالقرب من الحدود البولندية، وفقدان الطراد “موسكفا” الذي أصابته صواريخ غربية أو على الأقل بدعم من المخابرات العسكرية الأمريكية. وليس آخرها النداء الذي أطلقه رئيس الوزراء البريطاني مؤخراً يطالب فيه حلف الناتو بالتدخل العسكري المباشر في أوكرانيا بزعم مؤازرة الجيش الأوكراني.

لذلك، تستمر أوكرانيا في كونها “كبش الفداء” الذي تستخدمه واشنطن لاستفزاز روسيا وجرها نحو حرب شاملة في أوروبا من انقلاب ميدان، إلى الحرب في دونباس، ورفض اتفاقيات مينسك، وعملية الانضمام إلى الناتو، والرغبة في الحصول على أسلحة نووية، وغيرها. وبالتوازي مع هذا الزحف العسكري لحلف الناتو في منطقة نفوذ روسيا الأمني​​، أصبحت النظم الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية الغربية معادية للروس بشكل متزايد في تصاعد الخطاب الهستيري العدائي غير المنطقي. وبحسب محللين غربيين، من المحتمل أن ينتهي الصراع بين موسكو وكييف في غضون أسابيع قليلة أو بضعة أشهر على الأكثر قبل أن يعود تدريجياً إلى التطبيع الجيوسياسي لأوروبا الشرقية على حطام أوكرانيا الانتحارية، إذا لم تصبّ واشنطن المزيد من الزيت على نيران الحرب لإطالة أمدها ما أمكن، من عسكرة الحلف الأطلسي على حدود الاتحاد الروسي، إلى الاعتماد الاقتصادي على الغرب الذي يؤدي إلى العبودية السياسية، والتطرف الأيديولوجي من خلال دعم النازيين الجدد.

وبذلك، يحاول الناتو تعويض الخسائر المادية التي تكبدتها القوات الأوكرانية لإعادة التوازن التكنولوجي للقوة. فبالإضافة إلى الصواريخ المحمولة والذخيرة والمواد الاستهلاكية الأخرى التي يتمّ نقلها عن طريق الجسر الجوي إلى بولندا ورومانيا، فقد زودت قوافل السكك الحديدية والطرق أوكرانيا بالترسانات السوفييتية الخاصة بالدول الشرقية الاشتراكية السوفييتية السابقة لكي تعود هذه العملية بالفائدة المالية على كلّ من أوكرانيا والدول الموردة وخاصة صناعة الأسلحة فيها.

ومن خلال عمليات تسليم المعدات الثقيلة هذه، يتخذ الناتو خطوة جديدة في تصعيده مع روسيا، بل إنه يعيد إطلاق الجدل حول تسليم الطائرات المقاتلة “ميغ 29” MIG إلى أوكرانيا والتي لا تزال في الخدمة في الجمهوريات السابقة. وفي مواجهة هذا التصعيد العسكري المحتمل للنزاع الناجم عن هذه المساعدة العسكرية المتزايدة من الناتو للقوات الأوكرانية بأحدث المعدات والأسلحة، قامت موسكو بإرسال مذكرة دبلوماسية رسمية إلى واشنطن تحذرها من أن هذه الاستراتيجية سيكون لها عواقب وخيمة في التسبّب في كل من التصعيد العسكري والتصعيد الدبلوماسي. وأوضحت موسكو في هذه الوثيقة المكونة من 4 صفحات أنه إذا استمرت مساعدات الناتو فستتمكن قواتها المسلحة من استهداف جميع القوافل التي تزوّد أوكرانيا من حدودها الغربية. وبذلك تحدّد موسكو الخطوط الحمراء التي يجب على الناتو عدم تجاوزها، إلا أن ردّ واشنطن على موسكو بشأن اقتراحها الدبلوماسي كان برفض مزرٍ للمعاهدة المقترحة، وإرسال شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا اعتباراً من 17 كانون الثاني 2022، والتي كان من المقرر تسليمها في شباط.

إن انطلاق القادة الغربيين في اندفاع غير عقلاني متهور ضد روسيا، نابع من الخوف الهيستيري والعقائدي منها، لذلك يحاولون يائسين جعل روسيا منبوذة من الأرض لتشويهها أكثر وعزلها عن جميع العلاقات الدولية. ونتيجة هذا السلوك، هناك خطر كبير من حدوث تصعيد خطير بين موسكو وواشنطن، حيث يبدو صقور الحرب الأمريكيين مستعدين لشنّ حرب ضد روسيا وصولاً إلى آخر جندي أوكراني، حتى لو كان الثمن تفشي فوضى عارمة في جميع أنحاء أوروبا.