هل تنجح واشنطن في استنزاف موسكو؟
تقرير إخباري
منذ ما قبل اندلاع الأزمة الأخيرة بين أوكرانيا وروسيا كانت الولايات المتحدة تعدّ هذا البلد ليكون أداة لاستفزاز موسكو بأيّ شكل من الأشكال، والوصول عبر هذا الاستفزاز إلى شيطنة روسيا ودفع جيرانها الأوروبيين إلى اتخاذ مواقف تصعيدية ضدّها، كانت الإدارة الأمريكية تحرّض بشكل مستمر عليها، ومنها فرض عقوبات اقتصادية عليها لإضعافها دعماً لهدف استمرار هيمنتها على العالم.
ولكن بعد أن قرّر الاتحاد الروسي شنّ عملية عسكرية في أوكرانيا لحماية سكان دونباس والقضاء على النازيين الجدد في هذا البلد، وهو الأمر الذي لم يكن وارداً حقيقة في حسابات واشنطن رغم أنها كانت تسوّق له، اضطرّت إلى الدفع باتجاهين، الأول تحريض الغرب على فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، وقد استجابت أوروبا لهذا التحريض رغم أنها المتضرّر الأول من هذا السيناريو، والثاني محاولة إغراق أوكرانيا بأصناف السلاح الفتاك في محاولة لإطالة أمد النزاع واستنزاف روسيا إلى أبعد حدّ، وهذا بالفعل ما تنبّه إليه الروس مؤخراً وراحوا يتفادون جميع السيناريوهات الحربية المؤدّية إلى هذا النوع من الاستنزاف، فانسحبوا من الأماكن التي سيطروا عليها بالقرب من كييف وعادوا لاستخدام خطة عسكرية أكثر أماناً تعتمد على إسقاط المدن دون الدخول في حرب مباشرة مع المدافعين عنها، والاعتماد بشكل أكبر على القصف من بعيد ومن الجو، تجنّباً للخسائر البشرية في صفوف الجيش الروسي، وقد بدأت هذه الاستراتيجية العسكرية تؤتي نتائج على الأرض، وخاصة مع اقتراب إعلان المسلحين المحاصرين في مصنع آزوفستال في ماريوبول استسلامهم، حيث من المفترض أن يكون بينهم صيد سمين من ضباط استخبارات دول متعدّدة في ناتو كانت تدير “المقاومة” في المدينة انطلاقاً من هذا المصنع.
وزيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن برفقة وزير دفاع بلاده لويد أوستن إلى كييف سرّاً، كان المراد منها الإيحاء بأن هناك تنسيقاً بين الطرفين ودعماً للجانب الأوكراني في المفاوضات الجارية مع موسكو، غير أن تصريح وزير الدفاع الأمريكي عن نية أمريكا إضعاف روسيا حدّد بالفعل الوجهة الحقيقية لهذه الزيارة، وهي تحريض كييف على الاستمرار في الحرب ورفض التفاوض على طلبات الجانب الروسي التي أشيع سابقاً عن موافقة الجانب الأوكراني عليها، حيث قال الصحفي في صحيفة “نيويورك تايمز”، دافيد سانغر: إن تصريح وزير الدفاع الأمريكي هذا، يدل على استعداد واشنطن لمواجهة طويلة الأجل مع موسكو.
وفي تعليقه على التصريحات التي أدلى بها أوستن في بولندا بعد زيارته إلى كييف، كتب سانغر أن الولايات المتحدة “تريد إضعاف روسيا”، الأمر الذي يعني برأي الصحفي أن واشنطن أكدت “تحوّل النزاع” في أوكرانيا إلى “مواجهة أكثر مباشرة بين واشنطن وموسكو”.
ويرى الصحفي أن تصريح أوستن على المدى البعيد يدل على أن واشنطن تستعدّ “لمواجهة طويلة الأمد مع موسكو من أجل السلطة والنفوذ”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن هذه الاستراتيجية “مرتبطة ببعض المخاطر” بالنسبة للولايات المتحدة.
وهذا الكلام يؤكد ما قاله سفير روسيا في واشنطن أناتولي أنطونوف، من أن سلوك واشنطن يعكس رغبة في إطالة العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بأي وسيلة.
ولدى تعليقه على نيّة البيت الأبيض طلب اعتمادات إضافية من الكونغرس لضمان التدفق المستمر للأسلحة إلى أوكرانيا، تساءل السفير الروسي ما إذا كان من الأفضل “استخدام هذه الأموال لخدمة الأمريكيين، الذين تضرّروا من التضخم القياسي في بلادهم؟”.
وأضاف السفير: “من الواضح أن تصرّفات واشنطن تخفي الرغبة في إطالة أمد العملية الخاصة الروسية بأي وسيلة، في محاولة لإلحاق أكبر قدر من الضرر بروسيا، والقتال حتى آخر أوكراني”.
ورأى السفير الروسي، أن الولايات المتحدة تريد الحفاظ على بؤرة عدم الاستقرار في أوروبا، “لكي تحشد الحلفاء الغربيين حولها من أجل الاحتفاظ بموقع الولايات المتحدة على المسرح العالمي”.
وهذا الأخير بالضبط ربما يكون تعبيراً عن خشية وجودية لدى واشنطن من فقدان هيمنتها على العالم ابتداء من أوروبا، لذلك عملت من خلال روسوفوبيا على شيطنة روسيا لوضع أكبر حاجز من عدم الثقة بينها وبين أوروبا، وبالتالي الحفاظ على قدرتها على حشد أكبر عدد من الدول الأوروبية حولها وتأكيد زعامتها المفقودة.
طلال ياسر الزعبي