الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

لغة العنف

سلوى عباس

يكاد لا يمرّ يوم إلا وتطالعنا نشرات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بخبر جريمة قتل، فهذه الشابة قتلها شاب لأنها اختلفت معه، وذلك الطالب قتل معلمه بسبب مشكلة حصلت بينهما، وخبر آخر يتحدث عن جثة شاب عُثر عليها مشوّهة في مكان مجهول، وغيرها الكثير من جرائم القتل، مما يشير إلى أن مجتمعنا يتحوّل نحو العنف الذي ربما يكون بسبب الحاجة، أو انعدام الأمل، وهذا مؤشر إلى خطر يهدّدنا جميعاً، وربما يكون هناك أمر آخر لطغيان العنف هو أن شيئاً انعكس علينا باللاوعي، من خلال ما نشاهده على شاشات التلفزيون من عنف غير طبيعي بسبب الحروب والاقتتالات التي تتعرّض لها الشعوب، لكن بكل الأحوال هذا نذير خطر يجب الالتفات إليه.

ومن أسفٍ أن العنف الأسري في عالمنا العربي الذي طغى في هذه الأيام واستفحل، هو جزء من ظاهرة العنف العالمي، وأشكال كثيرة من العنف أصبحت تثقل كاهل مجتمعنا وتمنح حياتنا حالة من الخوف والهلع من أي موقف قد يتعرّض له المرء، والحلّ ببساطة يكمن في العودة إلى لغة الحوار الإنساني، عسى أن تتوقف الظاهرة هنا وتصبح لغة الحوار بديلاً عن لغة العنف العصرية، ولو أننا لا نستطيع أن نبرئ أنفسنا في عالمنا العربي من لغة العنف.

بالمقابل وأمام طغيان هذا التغول الأخلاقي والفقر والجشع الذي يثقل كاهلنا، تحضر ظاهرة تربية الكلاب والقطط، حيث أصبح من المضحك أن ترى شخصاً وضعه المادي سيئ يمشي بالطريق ويجرّ كلبه معه، وهنا أتساءل: هل ميلُ الناس إلى التعامل مع الحيوانات هو تعويض عن سوء العلاقات البشرية؟ وهنا الطامة الكبرى أن يدفع التغول الذي يعيشه مجتمعنا بعض الناس إلى البحث عن الأمان والودّ لدى الحيوانات، فكم هو مؤلم ومضحك بآن معاً أن يعود المرء إلى بيته ويكون الكلب أو القطة هما من يبثهما شكواه دون أن يخاف غدرهما، وعسى أن يأتي يوم يجد فيه المرء في قلوب المحيطين به بعض ما يجده في عيون الكلاب والقطط!.

وما أشبه الحال هذه بحال تلك الفتاة التي كانت ترغب بزيارة لندن لكنها لا تستطيع بسبب عدم توفر المال لديها لتقوم بتلك الزيارة، وصادف أن قرأت إعلاناً نشرته أسرة بريطانية تريد أن تسافر وتبحث عن فتاة تقيم في بيتها وتعتني بكلابها خلال غيابها، فرأت الفتاة بهذا الإعلان مرادها، وكان لها ما أرادت وقضت شهراً كاملاً برفقة الكلاب وكانت الصلة بينها وبينهم ودية في زمن يمثل العنف عنوانه الأول.

لكن المفارقة أنه حين عادت الأسرة من إجازتها وانتهت مهمّة الفتاة كانت حالة من الودّ والأنس قد نشأت بينها وبين الكلاب، فهل يمكن أن تنقلب الموازين ويكون العنف لغة عصرنا كبشر وتكون المودّة بيننا وبين الكلاب؟!

ما نتمناه بالتأكيد أن يتفوّق الحبّ على مشاعر الكراهية وقضايا القتل، فالحبّ موجود في كلّ مكان، ونستطيع أن نلمسه بسهولة في العلاقات التي يقيمها الناس مع عائلاتهم وأصدقائهم، وحتى في التعامل اللطيف الذي نظهره للآخرين، لأن الحبّ هو مخلصنا من كلّ ما نعانيه من مشاعر السلبية والكراهية تجاه بعضنا البعض، وحينها فقط تكون حياتنا أكثر يسراً.