Uncategorizedدراساتصحيفة البعث

عقوبات أمريكا تدفع لاستكشاف بدائل للدولار

عناية ناصر 

يحذّر الاقتصاديون من أن الولايات المتحدة تتجاهل الضرر الذي تلحقه العقوبات على الأنظمة ذاتها التي فرضتها بعد الحرب العالمية الثانية لتوسيع ودعم سلطتها على العالم، فالعولمة وهيمنة الدولار الأمريكي التي ضمنت الازدهار الغربي والقوة العالمية الغربية خلال السنوات الـ76 الماضية، يمكن أن تضعف أو تدمّر حتى بسبب العقوبات التي تطبقها الولايات المتحدة على دول أخرى. وبمرور الوقت، قد يحلّ البديل الأقل سيطرة للنظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة، ووضعته الدول الأقل قوة، محل النظام الحالي.

وبهذا الشأن اقترح الاقتصادي الروسي وعضو المجلس المالي الوطني لبنك روسيا، سيرغي غلازييف، نظاماً مالياً عالمياً جديداً مدعوماً بالعملة الرقمية، وبسلّة من العملات الأجنبية والموارد الطبيعية الجديدة من الدول الأعضاء. وقال غلازييف في مقابلة أجريت معه إن هذا النظام سيحرّر جنوب الكرة الأرضية من كل الديون الغربية، ومن التقشف الناجم عن صندوق النقد الدولي.

ووصف الخبير الاقتصادي الهندي راغورام راجان، العقوبات الأمريكية بأنها أسلحة دمار شامل، فهي تدمّر الشركات والمؤسسات المالية وسبل العيش وحتى الأرواح، وحذّر راجان من أنه إذا تمّ استخدامها على نطاق واسع، فقد تعكس عملية العولمة التي سمحت للعالم الحديث بالازدهار. وأضاف بالقول إنه بالنظر إلى الطريقة التي استولت بها الولايات المتحدة والغرب على أصول دول أخرى أو القيام بتجميدها، قد تشعر العديد من الدول بالقلق بشأن مخزونها من العملات الأجنبية في الدول القوية. كما يشير الخبير الاقتصادي إلى أن البلدان قد تحدّ أيضاً من الأماكن التي يمكن أن تعمل فيها بنوكها من أجل تقليل تعرضها لمثل هذه التهديدات. فالاعتبارات السياسية وليست الاقتصادية هي التي تملي قرارات بشأن الاستثمارات الخارجية فعندما تصبح العقوبات أداة قوة، تميل العديد من البلدان إلى استخدامها، مما يجعل التكامل الاقتصادي العالمي مثيراً للسخرية.

هناك وعي متزايد بأن الدولار الأمريكي لديه قوة هائلة لإصابة الاقتصاد العالمي بالتضخم الأمريكي وتأثير ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وكلاهما يُدار بشكل أساسي لتحقيق الأغراض المحلية الأمريكية. وقد حذّر الخبير الاقتصادي راجان من أن البلدان قد تبدأ في استكشاف بدائل للدولار وشبكة الرسائل المالية سويفت مما يؤدي إلى تجزئة نظام المدفوعات العالمي. وبهذا الشأن كتب توم أوكونور في مجلة “نيوزويك”، قبل وقت طويل من الأزمة الأوكرانية، أن العقوبات كانت تقلّل من قيمة الأداة الأمريكية الأكثر نفوذاً في الشؤون الدولية، وهي قوة الدولار الأمريكي. وأشار محلّلو بنك “أوف أمريكا” بقيادة مايكل هارتنت في تقرير إلى أن تخفيض قيمة الدولار الأمريكي هو النتيجة النهائية مع استخدام الدولار كسلاح في عصر جديد من العقوبات. ووفقاً لـ بين ستيل، مدير الاقتصاد الدولي في مجلس العلاقات الخارجية، فإن بدائل الدولار “تتضاعف وتتحسن”. وأشار ستيل إلى أن الصين وروسيا، وحتى الشركاء الغربيون، يريدون التداول بعملاتهم الوطنية عندما يناسب ذلك مصالحهم، وأضاف أن الصين لديها مشروع طموح للعملة الرقمية لمساعدة البلدان على تجاوز النظام المصرفي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

اكتسبت عملية “إزالة الدولرة” زخماً كبيراً مع بداية الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث استخدمت إدارة ترامب العقوبات ضد الدول الحليفة لحماية الاقتصاد الأمريكي، فضلاً عن ورقة مساومة في المفاوضات التجارية. في عام 2013، اتفقت أستراليا والصين على التعامل بالعملات الوطنية، وفي العام نفسه، اتفقت البرازيل والصين على التبادلات التجارية بالعملتين البرازيلية والصينية. ومنذ عام 2011، أبرمت الصين اتفاقيات مع أستراليا وروسيا واليابان والبرازيل وإيران للتعامل بالعملات الوطنية. وفي الربع الأول من عام 2020، انخفضت حصة الدولار الأمريكي في التجارة الثنائية بين الصين وروسيا إلى أقل من 50٪. في عام 2015، أطلقت الصين نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك للمدفوعات بالرنمينبي عبر الحدود والتجارة كبديل لنظام سويفت.

منذ نهاية عام 2019، أنشأ الاتحاد الأوروبي أداة دعم التبادلات التجارية، وهي أداة ذات أغراض خاصة لتسهيل المعاملات بغير الدولار الأمريكي وغير السويفت مع إيران لتجاوز العقوبات الأمريكية، ومنذ آذار 2018، بدأت الصين شراء النفط بالذهب المدعوم باليوان. تتضمن جهود إزالة “الدولرة” الحالية في الصين تطوير عملة رقمية، وتهدف هذه المبادرة إلى تطوير نظام دفع محلي يمكن استخدامه عالمياً. وتعمل المبادرة على تعزيز جهود الصين لإيجاد بدائل للشبكات الاقتصادية والمالية والتجارية والتكنولوجية العالمية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، كما ستقوم الهند وروسيا بالتعامل بالروبل والروبية للالتفاف على العقوبات الأمريكية على روسيا.

مع مرور الوقت إذا استمر تطبيق العقوبات بتهور، فإن إزالة “الدولرة” سوف تكتسب قوة دفع، مع تداعيات خطيرة على القيادة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة.