مجلة البعث الأسبوعية

الدراما كفن إبداعي

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

باتت الدراما اليوم أشبه بسوق عكاظ درامي كونها تترافق مع شهر رمضان، مما يدخل صنّاع الدراما في سباق محموم إلى تقديم أعمالهم في هذا الشهر باعتباره فرصة مهمة لتسويق منتجاتهم الدرامية لدى المحطات التلفزيونية، خاصة وأن الدراما أصبحت أقرب إلى واقع المشاهد وبيئته من أي وسيلة تأثير أخرى، لارتباطها بحياتنا بشكل كبير، كما أنهاتعمل اليوم علىتوثيق واقعنا وتأريخ راهننا دون أن تثير القطيعة بين أبناء المجتمع مما يسهل إقناع المشاهد وتنويره بما يجري من حوله بغض النظر عن نوع ثقافته، ولكن هل يتوافق ماقدمته دراما هذا العام مع هذا الرأي؟ وما أثير من انتقادات بعضها جاء ممن لهم باع طويل في الدراما سواء في الكتابة أو الإخراج أو في النقد الدرامي وتفاوتها مابين معجب بم قُدم وبين من يراها لازالت دون المستوى المطلوب للدراما؟.

وإذا اتفقنا مع مقولة أن المتلقي يعيد صياغة أي منتج إبداعي، والدراما أحد هذه الإبداعات، فإن الجمهور هو الحكم في تأكيد هوية الدراما عبر قراءته لأي عمل درامي، بغض النظر عن طبيعة القراءة التي يقدمها، والآراء التي قد تتقاطع ما بين الدلالات التي يلتقطها والدلالات التي يقصدها صنّاع العمل، ولعل ما احتوته الدراما التلفزيونية من إبداعات متعددة ابتداءً من كتابة السيناريو مروراً بالتمثيل والتصوير، وانتهاء بالموسيقا التصويرية، هو ما جعلها قريبة من الاعتراف بها كإبداع مستقل عن السينما وغيرها من الفنون البصرية، مع العلم أنه إلى الآن، لم يعترف البعض بالدراما التلفزيونية كشكل إبداعي مستقل، ومازالوا يلحقونها بالسينما لا سيما أن مصطلح “الدراماالتلفزيونية” هو هجين بين كلمتي “دراما”التي تعني بالمعنى العام “الأعمال المكتوبة للمسرح مهما كان نوعها” وكلمة تلفزيون تيمناً بأن هذه الدراما تعرض على الشاشة الصغيرة.

وغالباً ما نقرأ حول الدراما مواد أقرب إلى القراءة الانطباعية التي تختلف عن النقد الذي يقدم رؤية في العمل الدرامي بما له وما عليه، وهذا ماتوفره الندوات النقدية التي تقام عادة لتقييم الأعمال الدرامية،لكن ما يفاجئنا هو الخلاف الذي ينشأ بين الضيوف المشاركين في العمل وبين الناقد الفني الذي تكمن مهمته في تقييم العمل والإشارة إلى سلبياته وإيجابياته معاً، وهذا الاختلاف في الآراء هو الذي يخدم العمل ويبين ثغراته لتلافيها في أعمال قادمة، وليس من غاية للناقد الفني سوى غيريته على الدراما السورية كمنتج وطني مسؤولية الجميع الحفاظ على رسالته الثقافية والاجتماعية، خاصة وأن الدراما التلفزيونية تحظى باهتمام شرائح كبيرة من الناس.

من هنا فإن تسمية هذه القراءات النقدية  بمصطلح “نقد درامي” هي في معظمها وليدة أمزجة شخصية، أو آراء غير موضوعية وغير حيادية، أو انسياق متسرّع وغير حكيم وراء المزاج العام في شهر يفرض هذا الاهتمام الاستثنائي بالدراما، الذي يتجلى في كتابات البعض بالانطباعات العامة التي يحكمها الرأي الاعتباطي الذي يفتقر للتحليل النقدي الصارم، والفهم الواعي والواضح لطبيعة وتقنيات الوسط الدرامي التلفزيوني، لكن وللأسف الصحافة المهتمة بالنقد التلفزيوني، أي أسلوب عرض وتقديم ونقد وتحليل منتجات القنوات التلفزيونية، لم يحظ بعد بالاهتمام الكافـي على المسـتوى التعليمي الأكاديـمي، ويُترك الأمر للمشاهد يقرأ العمل ويحكم عليه من خلال منظومته الفكرية التي تشكل الأساس المكون لعقله، ومن هنا نرى النهايات المتعددة والقراءات المختلفة لكثير من الأعمال الدرامية، حتى لو كان الكاتب يقدم هذه القراءات عبر رؤيته فقط، وهذا ما لمسناه في القراءات التي قدمت لأعمال الموسم الدرامي لهذا العام، التي لم تتجاوز في غالبيتها القراءة في تفاصيل صغيرة للأعمال دون الدخول في عمقها، ومن هنا نؤكد على مساهمة النقد الدرامي في النهوض بمستوى الأعمال الدرامية، وممارسة دوره بحراسة المشهد الدرامي حتى يحافظ على تألقه وحضوره.