مجلة البعث الأسبوعية

أحداث أكرانيا في المنظور العام

د. مهدي دخل الله

ليست العملية الروسية لحماية الدونباس وإعلان حياد أكرانيا مجرد حرب محدودة في منطقة معينة . هي أكثر من ذلك فيما يخص دلالاتها العامة . ومن وجهة نظر شكلانية تتعلق المسألة الأكرانية بعدة قضايا مجتمعة ، الأولى إعادة تشكيل بعض الدول الأوروبية نتاجاً لانهيار الاتحاد السوفييتي ، الثانية إيجاد حلول لمسائل قومية وتاريخية معقدة ، الثالثة ظهور صراعات داخل الدول التي نشأت حديثاً وهي صراعات ذات طبيعة سياسية وقومية ..

لو أن هذه القضايا ظهرت في منطقة من مناطق العالم الثالث ، مثلاً بين الباكستان والهند (كشمير) ، بين الجزائر والمغرب (الصحراء المغربية)، أو بين دول أفريقية وآسيوية صغيرة ، لما اهتز العالم كله كما يهتز الآن بسبب أكرانيا ..

المشكلة أن دولتين عظيمتيْن مشتركتان بشكل مباشر في القضية الأكرانية ، لذا فإن هذه القضية عالمية بكل المقاييس ، وعلى نتائجها سيرتسم عالم جديد مختلف عن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية . إنه صدام حام بين عالميْن ، عالم يتراجع خطوة خطوة ، وآخر يتقدم خطوة خطوة . لذا فإن انعكاساته ستصيب الجميع بشكل أو بآخر ..

حاول الرئيس بوتين في خطابه أمس الأول إيجاز المسألة بعناوين معبرة ، حيث وصف ما يحصل بأنه معركة بين ثقافة الإلغاء والإقصاء من جهة وثقافة الاحترام والتعاون من جهة أخرى . وهي  – كما قال – معركة بين من يدافع عن قيم مثلى تؤمن بها البشرية ومن يظن نفسه أمة استثنائية مميزة هي وحدها التي تقرر مصير العالم . إنها معركة بين من يدعو للشراكة ومن يدعو للاستعمار والعنصرية ، بين من ينادي بالمساواة بين الشعوب ومن يريد إحياء النازية والفاشية وكل أشكال العنصرية الأخرى ..

إنها – باختصار – معركة تغيير العالم نحو الأفضل ، أو الأقل سوءاً .. معركة أنسنة العلاقات الدولية ضد التغول الذي وصل حدوداً خطيرةً جداً .

وفي هذه المعركة ، لابد أن يعترف العالم بأن لبلدنا سورية شرف البداية . فقبل عقد ونيّف بدأت سورية هذه المعركة العالمية الكبرى ، وكانت في البداية وحيدة ، لكن الطريق الذي فتحته بشجاعة إعجازية أصبح حقيقة من حقائق العصر . فعالم القطب الواحد يعيش الآن حشرجة الموت في أكرانيا بعد أن تلقى الضربة الكبرى الأولى في سورية .. ولا يزال ..