زيارة أردوغان للسعودية جزء من سياسة التكيف.. لكن من ينسى الإهانات السياسية؟
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
في حركة رمزية، قام رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بزيارة المملكة السعودية في 28 نيسان الماضي. وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام، عقد أردوغان اجتماعاً مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، تلاه لقاء مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قصر السلام.
في تموز 2017 زار أردوغان السعودية، لكن بعد ذلك الوقت توترت العلاقات بين أنقرة والرياض بشكل كبير خاصة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تشرين أول 2018 في اسطنبول. ووصفت صحيفة “واشنطن بوست” خاشقجي بأنه “أحد أبرز منتقدي السلطات السعودية، وعلى وجه التحديد، الأمير محمد بن سلمان” وذكرت أن “هذه القصة تحمل بصمات الاستخبارات البريطانية في كل مكان”.
بعد ذلك، أيد أردوغان القصة الأمريكية التي أشارت إلى أن ولي العهد كان متورطاً بشكل شخصي في ذلك الإغتيال، حيث اكتشف العالم كله ذلك بفضل الجهاز الذي زرعته تركيا استباقياً في مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول. بعد ذلك، روج الإعلام التركي للفضيحة بشكل منهجي، وإهانة محمد بن سلمان.
مع إدعاءات كل من الدولتين علناً قيادة المنطقة، حاول الرئيس التركي في ذلك الوقت استغلال معظم أحداث اغتيال خاشقجي لتقديم نفسه على أنه أقوى زعيم شرق أوسطي قادر على السيطرة وحكم المنطقة، لكن تقديره كان خاطئاً.
كما فشل أردوغان في استثمار الخلاف السعودي القطري لتحقيق مآربه التوسعية، لذلك أبرم اتفاقية مع أمير مشيخة قطر، نصت على إرسال المواد الغذائية والمنتجات التركية، وبالطبع القوات العسكرية.
هذا وقد فشل أردوغان في دعمه لانتشار جماعة “الإخوان المسلمين” في الشرق الأوسط، والذي تعتبره السعودية تهديداً وجودياً لآل سعود. فلطالما اعتبر العديد من العلماء السعوديين التموضع السياسي لهذا التنظيم قوة معارضة ناشئة تشكك في ضرورة النظام الملكي.
وللإشارة، فإنه بعد هجمات الحادي عشر من أيلول، أصبح انتقاد هذا التنظيم أكثر بروزاً في السعودية، كما يعزى ذلك بدرجة كبيرة، للضغوط الكبيرة التي تمارسها الولايات المتحدة على الرياض لتغيير سياستها، ووقف دعمها لبعض المنظمات والمؤسسات الإسلامية، بما في ذلك تلك المرتبطة بـ “الإخوان المسلمين”، ولتعزيز الحرب الإعلامية ضدها في الإعلام السعودي.
في عام 2002، أجرى وزير خارجية المملكة، نايف بن عبد العزيز مقابلة مع صحيفة كويتية هاجمت جماعة “الإخوان المسلمين”، واصفاً إياها بـ “أصل الشر”، وقال إنه مسؤولة عن كل مشاكل العالم العربي والإسلامي. هذا وقد أصبحت آراء السعوديين حول جماعة “الإخوان المسلمين” أكثر إيلاماً بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في كانون الثاني 2015.
ومع ذلك، فإن جميع الإجراءات التي اتخذها أردوغان لمعارضة السعودية، توقفت على الفور بسبب القضايا الخطيرة التي تعاني منها تركيا نفسها، إذ تُظهر نتيجة الاستطلاعات الأخيرة أن نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان، تراجعت إلى 28.9 %، في حين تراجعت نسبة تأييد حزب الحركة القومية الحليف إلى 6.1 %. كما بدأت الليرة التركية تهبط هبوطاً حاداً مع معدل تضخم سنوي وصل إلى 61.5 % في آذار الماضي، مقابل 54 في المائة في شباط الماضي، وهو المستوى المشار إليه آخر مرة في عام 2002 قبل تولي أردوغان سدة الحكم. ومن الجدير بالذكر، ترافق ذلك مع أزمات دولية خطيرة تتطلب اهتماماً ونفقات إضافية من تركيا، مثل أزمة أوكرانيا، إيران، الوضع الراهن الجديد في أوروبا، إلخ.
ولمواجهة المشكلات المتزايدة، بعد أن تم التحقق من أن الاقتصاد التركي ليس جاهزاً للطموح الذي اتخذه الزعيم التركي سابقاً، سارع أردوغان نحو المصالحة مع بعض خصومه الإقليميين، مستخدماً التقارب المذكور لدعم شعبيته المتراجعة داخل وخارج البلاد. وهذا ما تسبب في تقارب بين أنقرة و”إسرائيل” والإمارات ومصر والسعودية. هذا وفي الوقت نفسه، يتخوف أردوغان من أنه في النهج الحديث للسياسة، يمكن أن تصبح السعودية الرابط الرئيسي، لأن الرياض، أولاً، تمارس تأثيراً كبيراً على القاهرة، والتي أصبحت بدورها عنصراً حاسماً في سياسة أنقرة الإقليمية. ثانياً، يحتاج أردوغان بشكل موضوعي إلى المال والسوق السعوديين.
لهذا السبب لم يكن حديث أردوغان قبل زيارته للرياض، عن أمله في بدء حقبة جديدة في العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون في الدفاع والمالية مفاجئاً. كما سلط العديد من المحللين الضوء على الجانب المتعلق بالأزمة الاقتصادية طويلة الأمد في تركيا التي وصلت إلى مستويات قياسية من التضخم وانخفاض كبير في العملة الوطنية.
في الآونة الأخيرة من أجل تسريع التقارب مع الرياض، اتخذ أردوغان عدة خطوات أدت، على سبيل المثال، إلى زيادة في الصادرات من تركيا إلى السعودية، وصلت إلى 25 % في الربع الأول من عام 2022. ومع ذلك، طالبت السعودية تركيا، باتخاذ قرار نهائي بشأن قضية خاشقجي، ما أدى إلى إغلاق القضية من قبل أنقرة. وبحسب المستشار الخاص لرئيس تركيا إبراهيم قالين، فإن هذا القرار يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين أنقرة والرياض، كما يفتح الباب أمام زيارة شخصية لرجب أردوغان للسعودية.
في أوائل شهر شباط الماضي، زار أردوغان الإمارات المتحدة للمرة الأولى منذ عام 2013، كجزء من سياسة التكيف التي يحاول اتباعها لاستعادة علاقاته التي خسرها في المنطقة، حيث وقع البلدان خلال زيارته اتفاقية لمقايضة العملات بقيمة 5 مليارات دولار، والتي من شأنها زيادة احتياطيات العملة التركية المنهارة التي تمر بضائقة اقتصادية تاريخية. كما وقع أردوغان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد 13 اتفاقية تعاون تشمل العديد من القطاعات، بما في ذلك الدفاع والتجارة.
في الحقيقة، يرى مراقبون أن زيارة أردوغان الذي فقد شعبيته، خاصة مع انهيار العملة وتراجع الاقتصاد التركي، إلى الرياض هي بلا شك محاولة منه لكسر الجليد، ولمواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة، أدت إلى تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية، وأثرت سلبا ًعلى الاقتصاد المحلي، لكن الشرق مسألة معقدة وهنا لا يمكن نسيان الإهانات السياسية الخطيرة للماضي بسهولة.