مجلة البعث الأسبوعية

لغز الغازات الدفيئة لتغيير المناخ عالمياً…واحتمالات للتغيرات العالمية

دمشق _ حياة عيسى

بات معروفاً أن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض الناتج عن الغازات الدفيئة السبب الأساسي في التغيرات المناخية الحاصلة والتي متوقع حدوثها خلال السنوات القادمة، علماً أن  ارتفاع حرارة الأرض بات أكثر وضوحاً خلال السنوات الأخيرة، والمتوقع زيادة للارتفاع بالسنوات القادمة بشكل متسارع وكبير، وذلك حسب تقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، لاسيما أنه منذ  بدء عقد الثمانينات أصبح كل عقد أحر من العقد الذي يسبقه، حيث اعتبرت السنوات العشر الأخيرة الأحر عالمياً، وحسب الارشيف العالمي للأرصاد الجوية التي تعتمد على ست مراجع معتمدة دولياً سواء بالقارتين الامريكيتين، القارة الأوربية، قارة آسيا، وشمال افريقيا، التي  تأخذ معلوماتها من عدة مواقع ليكون لها موثوقية ودقة على مستوى كوكب الأرض.

 

التطرفات المناخية

شادي جاويش رئيس مركز النبوء المركزي في المديرية العامة للأرصاد الجوية بيّن لـ”البعث الاسبوعي ” أن تأثيرات ارتفاع درجة حرارة الأرض عديدة تلخص بالتطرفات المناخية الحاصلة عالمياً خلال الفترة الأخيرة، ومنها تأثيراتها على منطقتنا سواء كانت في الهطولات المطرية الغزيرة، الفياضانات، وحالات التصحر، وحالات وصول كتل هوائية سواء كانت حارة أم باردة بغير موعدها، ويشاع أن هناك انزياح للفصول وهو تعبير خاطئ لاسيما أننا لا نشهد انزياح للفصول كون الفصول الأربعة يحكمها موقع الأرض والشمس وتغيره على ملايين السنين بسيط جداً، والمعروف أن فصل الصيف نتيجة الشمس العمودية فيه وفي الشتاء تكون الشمس مائلة لذلك لا يحكم تغير الفصول إلا الأرض والشمس، لكن ما نشهده وصول كتل هوائية بغير موعدها على سبيل المثال لاحظنا فترة الشهر الماضي وصول كتل هوائية قطبية المنشأ شديدة البرودة على غير العادة لذلك انخفضت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، بالإضافة إلى وصول كتل هوائية حارة لاحظناها خلال فترة الشتاء فالشهر الأول كانت درجة حرارته فوق المعدل ما أدى إلى ضرر في بعض المحاصيل الزراعية التي تحتاج إلى درجات حرارة متدنية.

 

حلول لا يمكن تعميمها

وتابع جاويش أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على عدة أمور لذلك وجب رفع الأراضي التي كانت تزرع بدرجة حرارة معينة إلى ارتفاع معين يصل لحد الـ ١٠٠ متر عن سطح الأرض للتمكن من زراعتها بنفس الشروط السابقة لزراعتها قبل ارتفاع الحرارة المشهود حالياً، وهو من المستحيل تعميمه على كافة الأراضي كونها تقلص المساحات المزروعة على مستوى القطر أو مساحة الكوكب الارضي، كما أنه يؤثر على موضوع التنمية المستدامة الذي يعتبر موضوعاً عالمياً وليس فقط محلياً، كما أن لارتفاع درجات الحرارة تأثير على عدة مناطق والأكثر تأثراً المناطق الحارة أساساً، كمنطقة الخليج العربي التي تسجل درجات حرارة قياسية على مستوى العالم حيث تتجاوز الـ ٥٠ درجة مئوية وسجلت حرارة قياسية في عدة مناطق كالكويت والخليج العربي ككل، عمان، وهي من المناطق المتوقع لها في المستقبل القريب ان تشهد ارتفاع في درجات الحرارة اشد مما سجلته سابقاً، والذي من شأنه أن يؤثر على الحياة فيها سواء كانت من الناحية الزراعية، المعيشية، وانخفاض سبل العيش فيها.

 

تدهور التربة

أما بالنسبة لتدهور التربة الزراعية في الحسكة و منطقة الجزيرة  فقد بين جاويش أن لتغير توزع الهطول دور كبير على تدهور التربة الزراعية، فتغير هطول الأمطار  غير المتجانس في منطقة  الجزيرة  التي تعتبر”السلة الغذائية” وانخفاض  كمية الهطول فيها  الذي لوحظ بشكل واضح خلال العام الحالي،  حيث لم تتجاوز الـ ٥٠% أدى إلى تدهور في تربتها والخسائر الكبيرة في محاصيلها الموسمية،  على عكس المناطق الأخرى التي اقتربت فيها معدلات الهطول من معدلاتها وتجاوزت المعدل في المناطق الساحلية أوالشمالية الغربية بينما بقيت دون الـ ٥٠% وفي بعض المناطق ٣٠% كمنطقة الجزيرة ما انعكس تأثيره السلبي على الزراعات التي تعتمد على الهطولات المطرية خاصة مع انخفاض مستوى الأنهار (نهر دجلة والفرات).

خرائط مناخية

أما بالنسبة للحلول فهناك عدة حلول تتمثل بإعادة رسم مناطق الأراضي الصالحة للزراعة حسب خرائط الطقس والهطول الجديدة، لاسيما أن المديرية حالياً تعمل على إنشاء خرائط على برامج حاسوبية لتوزع الهطول بالنسبة لسورية بالمشاركة مع هيئة الاستشعار عن بعد ووزارة الزراعة للاستفادة من الخرائط بهدف إعادة توزيع الأراضي الزراعية أو الأراضي الصالحة للزراعة ضمن الإمكانيات المتاحة، فنحن “والكلام لجاويش ” لا نستطيع تغيير المناخ العالمي ولكن هناك إمكانية للتأقلم مع التغيرات المناخية لذلك كان عنوان احتفالية الأرصاد الجوية “الإنذار المبكر والعمل المبكر” للحالات المتطرفة سواء كانت حالات جفاف شديد أو فيضان شديد والعمل على التخفيف  من الخسارات سواء بالأموال أو الأرواح،  فالفيضانات التي شهدتها دمشق السنة الماضية شهدت خسارات مادية وبشرية، كما شهدت فيضانات الساحل انجراف في التربة وإغلاق طرقات لذلك لابد من التعاون مع الموارد المائية وشركة الطرق والتعاون المستمر مع المحافظة خصوصاً في فصل الشتاء بشكل يومي لإعطائهم نشرة ليكونوا على أهبة الاستعداد لتخفيف الضرر.

 

الانتقال للطاقة المتجددة

وتابع جاويش أن أحد أدوار الأرصاد الجوية التوعية من خلال الانتقال للطاقات المتجددة البديلة كطاقة الرياح، الشمس، والتي بدأ العالم باستخدامها بشكل كبير، وهناك دراسة ضمن الأرصاد الجوية لأماكن توزع الرياح وشدتها واتجاهها من خلال التعاون مع عدة جهات والعمل على إيصالها للجهات المعنية بحيث يتم الاستفادة من خرائط الأمطار و أماكن الهطول، لاسيما بوجود خرائط للرياح وأماكن توزعها ونشاطها لإقامة عنفات توليد كهربائية حيث بينت الدراسات وجود عدة مناطق مناسبة للطاقة الريحية كمنطقة ريف حلب، بالتزامن مع مناطق التشمس على مدار العام  كالبادية السورية وشرق ريف دمشق، شرق حمص، شرق حماه للاستفادة من الطاقة الشمسية وتنفيذها، كون  التنبؤات بحالة الطقس لم تعد  كافية ، بل أصبح توفيرتنبؤات تنذر الناس بمخاطر الطقس ضرورة حيوية لإنقاذ الأرواح وسبل العيش، ومع ذلك يظل واحد من كل ثلاثة أشخاص لا يتمتع بتغطية نظام الإنذار المبكر بالقدر الكافي، لذلك كان لابد من زيادة التنسيق والتعاون الدولي من أجل تطوير علم الأرصاد الجوية وتحقيق المنافع من تطبيقاته، وتوفر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الإطار المناسب لهذا التعاون الدولي، حيث تؤدي المنظمة دوراً ريادياً بالتعاون مع وكالات تابعة للأمم المتحدة ومع المرافق الوطنية للأرصاد الجوية، بالإضافة إلى تقديم المشورة والتقييمات إلى الحكومات لمساعدة صانعي القرار بشأن المسائل ذات الصلة للمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة للبلدان ورفاهها والحد من مخاطر الكوارث،  وكان عام 2021 هو العام السابع على التوالي (منذ عام 2015) الذي تجاوزت فيه درجات الحرارة معدلات الفترة ما قبل العصر الصناعي (1850 – 1900)، ذوبان الجليد القطبي يحدث بشكل سريع، وبلغ البحر أعلى مستوى له منذ 3000عام، ويعود السبب الرئيسي وراء هذه التغيرات السريعة إلى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، حيث تحتفظ هذه الغازات بالحرارة وتسبب احترار الكوكب وهذا له تأثير كبير على الطقس والمناخ ومستويات البحار، وأصبحت الآن زيادة الظواهر الجوية المتطرفة مرئية أكثر من ذي قبل ولا يمكننا تأكيد أن السبب وراء أي ظاهرة طقس هو تغير المناخ، لكن العلماء بدؤوا بإطلاق التحذيرات منذ تسعينيات القرن الماضي من أن أحد تأثيرات الاحترار العالمي قد تكون في زيادة في عدد وشدة (موجات الحر والحرائق – حالات الجفاف – العواصف والفيضانات … ) إلى آخره من الظواهر الجوية المتطرفة، وقد شهدت منطقتنا خلال السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في هذه الظواهر منها زيادة في حدة موجات الحر حيث سجل عام 2020 أرقاماً قياسية خلال فصل الصيف (تجاوزت درجات الحرارة الـ 40 درجة مئوية لمدة 10 أيام خلال شهر أيلول واستمرت الموجة الحارة حتى نهاية الشهر)،  أمطار فيضانيه وخسائر كبيرة في الأموال وأحياناً للأرواح، و حرائق الغابات وزيادة في حدتها وتكرارها حول العالم حيث من المتوقع زيادة حوالي 30% نهاية عام 2050 وزيادة 50% مع نهاية هذا القرن (حرائق الغابات في المرتفعات الساحلية عام 2020.