المخرج محمد الشيخ: زنزانة العالم تنتظر متهمين جُدداً
البعث الأسبوعية-غالية خوجة
ما الذي أضافه العرض المسرحي “فوق هذا المستطيل وقع حادث ما” الذي قدمه المسرح القومي بحلب بمناسبة اليوم العالمي للمسرح؟
بدأ العرض بمقطوعة من موسيقا “النمر الوردي”، ثم تخللها مقطوعة من “الأوديسا” لمؤلفها الموسيقار فانجيليس، كما تكررت مقطوعة أخرى منها بصوت اليونانية “إيرين باباس”، بينما برزت إحدى مقطوعات “كارمينا بورانا” في مشهد آخر، ولاحظت أن هذه المقطوعات الموسيقية كخلفية لم تناسب العرض، إضافة إلى أن بعض العاملين في المسرح، وأغلبية المشاهدين لم يعرفوا ما هي هذه الموسيقا! وكان من الملائم أكثر استبدالها بموسيقا أناشيد عروبية ووطنية لتناسب الهدف.
زمن مستطيل
وعلى أي حال، تشير الموسيقا إلى أن هناك ملحمة ما، يستعد لها المتفرج وهو يتابع ما يحدث على مسرح دار الكتب الوطنية، من خلال حركة الصبيتين وهما ترسمان وتختلفان على أجزاء الرسم فهل الأذن أم العين أم اللون الأحمر ورمزيته للدم والاغتصاب والحرب والموت والحب.
يتمدد هذا المشهد بإيقاع بطيء، وهي سمة عامة شملت العرض الذي لو اختصر بنصف زمنه لكان أكثر جذباً، وكدت أخرج من المشهد الذي أصابتنا رائحة دخانه الكريهة بنوبات سعال، وتكررت تلك الرائحة مترافقة مع أصوات الرصاص والقذائف المطلقة من مجسم طائرة سينوغرافية علقت في سقف المنصة لتشعرنا بأننا في مخبر للأطفال يعرفنا على هذا الاختراع! وبعد خروجي من الصالة صادفتُ الفنانة هوري بصمجيان تستعد لدورها وتقنعني بالمتابعة لأن الزخم سيأتي في القسم الأخير، وحدثتني عن دورها في العمل: أمثل مرحلة الشيوعية، وكل دور أقوم به هو دور جديد بالنسبة إلي، فأنا لا أمثل شخصيات متشابهة طوال عمر تجربتي الفنية الممتدة إلى 52 سنة.
مونودراما لكل ممثل
وعدت لمتابعة العرض المتنقل بين حكايات الضابط الجديد بلهجته العراقية، والضابط المرتدي للعلم الأمريكي، والرجل المرتدي لثياب عربية إشارة إلى الليبي القذافي، وغلب على العرض المشهديات الحكائية والحوارات المباشرة المطولة، لأن كل ممثل يتحدث عن نفسه بين ديالوغ ومونولوغ.
والملفت أن الممثلين أجادوا أدوارهم، وكل منهم أدى مونودراماهُ الخاصة! وهتافاتهم ذكرتني برواية أخرى لمؤلف العرض محمد أبو معتوق “جبل الهتافات الحزين”، بينما جاءت اللغة العربية جميلة لولا بعض الهنّات والأخطاء والتهريجات السلبية، مثل لازمة “شنو”، “رفسته”، القذافي ومخدة بين فخذيه، “جوزتي” بدل زوجتي!
خلائط بانورامية
وبلا شك، يجعلنا العنوان لمؤلفه محمد أبو معتوق وإعداد محمد حجازي وإخراج محمد الشيخ، متسائلين عن أي مستطيل تتمحور المسرحية؟ وأي حادث اشترك فيه كل من الممثلين رونا حيدر، رنا حرح، معتز سيجري، محمد ملقي، وعد رزوق، محمد سقا، ميار نقيب، محمد ملا رشيد، وهوري بصمجيان، وفريق من الفنيين؟
لنكتشف أننا أمام زنزانة وجدران، وتهمة قتل وهمية، وجرائم غامضة، ومنبر خطابات، ومشفى وسجن، وسلاسل، ومحاولة لإسقاط الواقع العربي والعالمي على المنصة بخلط غير مبرر بين مشاهد كأنها موجهة للأطفال، والتهريج من أجل التهريج، مع ملاحظة حضور الخطابية المطولة لكل دور، ومباشرة في التبويل أمام المشاهدين مع ألفاظ بذيئة، ووجود عناصر في الديكور بلا وظيفة مقبولة مثل السلّمين، وحركات اختباء الممثل تحت السرير وآخر فوقه مع الصراخ والقهر والفضفضة، والتأكيد على شخصية العربي الخطابية وهو يجلس على أكتاف الممثل الثاني، مع حركات تجعله يمثل دوراً جسدياً مبتذلاً برفع ساقيه المفتوحتين للأعلى، علماً بأن الحضور تألف من عائلات وأطفال وصبايا وشباب، وكان من الممكن توجيه ملاحظة: العرض موجه للبالغين فقط.
العنف بطل العمل
كل ذلك جعل المباشرة حاضرة أكثر من الترميز رغم المحاولة الضعيفة لذلك، كما أن الواقع نُقل بمشاهده العنيفة من إعدامات لزعماء عرب لم تكن موفقة، وإعدامات استعادت قابيل وهابيل ضمن مشهد تمثيلي داحل مشهد تمثيلي تبعاً لمنطوق شخصيتَي الحارس والخطيب، أي أن العمل لم يكن كما أخبرنا معدّهُ محمد حجازي: ستتشارك الحواس في حالة جديدة على المسرح.
الفن مرآة الواقع
هذه الملاحظات، عرضتها “البعث الأسبوعية” على المخرج محمد الشيخ، الذي أجابنا: البطء يعود للممثل، ونحن حافظنا على النص المكتوب، والأعمال الفنية غير مقيدة بألفاظ، لأن الفن مرآة تعكس الواقع.
وعن الكيفية، أكد: أناغم هذه العناصر في بوتقة واحدة، لا أتدخل بما يكتب الكاتب والمعد، لأنني أحول النص اللغوي إلى نص بصري، وبدأت بموسيقا النمر الوردي لأقول: إني أرسم صورة ساخرة مريرة عنيفة للوقائع الساخنة التي ستأتي لاحقاً، والتي مورست على هذه الجغرافيا-الأرض، ولست مع تخفيف مشاهد العنف في هذه المسرحية، لأن مرجعي مظفر النواب، فالواقع المزري لا يعبّر عنه إلاّ بواقع مزرٍ، ولنتساءل: هل قُتلت الشمولية إعداماً في يوم العيد أم لا؟ وهل مورس العنف على الديماغوجية؟ ولماذا الدوائر الثقافية لا تمنع العنف، مثلاً، من الألعاب الالكترونية التي تصنع من الجيل الحالي مشروع قاتل وسارق ولا منتمٍ؟
صورة كاريكاتيرية ساخنة
وتابع: إذن، نحن في هذا العرض المسرحي نرسم صورة كاريكاتيرية للوقائع الساخنة بمحاكاة واقعية، مصحوبة بجو موسيقي مختلط لأعبّر عن خلق التزاوج بين المتناقضين، وعن الاضطراب السلوكي الذي يعيشه العالم حالياً فردياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وإنسانيا.
واسترسل: المسرح يحكي افكار المخرج، وكل أداة وعامل وعنصر وظفته بمكانه، مثلاً، البرميل رمز للنفط، والسلّمَان للمتسلقين الذين لا نصل إليهم إلا بالتملق ودسّ الرأس، لأن السلطة الافتراضية قابعة في الأعلى، وخططت لـ”برجكتورات إضاءة” من كل جهة، ووضعت 3 ممرات، لكن ذلك لم يتحقق لنقص تقني، أما المستطيل فهو زنزانة العالم وهو كل ما يقيد الإنسان سلطوياً ومعنوياً ومادياً.
سأجعل العرض أجمل ليكون في “غينيس”
وأضاف: لست مع اختصار زمن العرض، لكنني مع ضبط إيقاعه مشدوداً، وخلق التشويق من خلال تكنيك الممثل والتقنيات البصرية التي عانينا من نقصها، ومنها ما يخص الطائرة لأنها بحاجة، مثلاً، إلى بؤر ضوئية ونار اصطناعية.
وأكد: سأعيد العرض بكثير من التقنيات الحركية البصرية والأدائية ليكون أجمل وأكثر جاذبية ويشد المتلقي والمشاهد إلى عالم الدهشة، رغم أني كنت أخطط أن يدخل هذا العرض موسوعة “غينيس”، عن طريق عالم أسخيلوس معتمداً على تشابك الحواس بين البصر والسمع والشم، ولقد ظهرت رائحة البترول في مشهد البرميل.
نرفض التبعية
وحين سألته: ما رؤيتك المستقبلية؟
أجاب: لا يمكن تحقيق المستقبل بالهتافات والخطب، بل بالفعل والمواجهة، والغرب لا يريدنا أسياداً وأصحاب قرار بل تابعين، لذا، علينا أن نرفض القتل والتبعية.
واعترضت متسائلة: المسرحية لم تقل ذلك؟
فردّ: لكي أكون سيداً وقائداً يجب أن أعي دوري، وأعي كيف أدافع عن أخي ولا أعاديه، وأن لا أغلّب المصالح الشخصية الخاصة على المصالح العامة، أن لا أدفع التهمة عني وألصقها بغيري.
المسرح محرض على الوعي
سألته: أنت ضد الخطابية، لكن المسرحية لم تخرج عنها؟ كان من الممكن، على الأقل، أن تكسر المستطيل، فلماذا لم تفعل؟ ولماذا لم يكن هناك مشهد ولو ختامي بصوت الجماعة ليعي المشاهد ما تضمره من أهداف؟
أجاب: المستطيل أداة التخلف، وعلينا أن نقاوم هذا المدّ الغولاني الباحث عن متهمين جُدد، والمسرح غير ملزم بتقديم الحلول، بل محرض على القيام بفعل نابع من الذات.