رغم تجريب كل الوسائل للحد منها.. لا تزال “البطالة” أبرز تحديات الاقتصاد الوطني..!.
لا شك أن البطالة ظاهرة موجودة في كل دول العالم الغنية منها والفقيرة، وفي علم الاقتصاد يحددون النسبة الطبيعية للبطالة بـ 4%، وفي حال زادت عن هذا الرقم تبدأ مشكلات فرص العمل تطفو على السطح، بل وتتفاقم تدريجياً وقد تصل إلى درجة الانكماش إلى حدود خطيرة ومقلقة، وذلك بنتيجة عوامل عديدة.
محلياً وعلى مدار العقود الماضية وبالرغم من كل الخطط والبرامج لم نتمكن من وضع إستراتيجية وطنية لتشغبل الشباب وخاصة للخريجين في الجامعات، علماً أنه تم تجريب العديد من الوسائل لكنها كلها لم تنجح وتحقق الهدف منها، بدءاً من تجربة مكاتب التشغيل، مروراً بهيئة مكافحة البطالة، وصولاً إلى برنامج تشغيل الشباب الذي أطلقته الحكومة مع اندلاع الأحداث في سورية، هذا فضلاً عن غياب الدراسات والبحوث عن مشكلات سوق العمل في سورية..!.
غياب الحلول!
برأي الدكتور رامي زيدان (دكتوراه في الاقتصاد) أن الارتفاع الواضح في معدل البطالة في سورية منذ مطلع التسعينيات هو من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري حالياً وفي المرحلة القادمة، وهذه المشكلة التي لم تعد خافية على أحد تعكس قصور السياسات أو الخطط في مواجهتها، أو على الأقل إيجاد حلولاً مخففة لها، ناهيكم عن استمرار العوامل البنيوية المسببة لها ومن أهمها النمو السكاني المرتفع وتراجع معدلات النمو الاقتصادي والاستثمار وخاصة في العشر سنوات الأخيرة، حيث يعتبر معدل النمو السنوي الوسطي للسكان في سورية 3،28% وهو من المعدلات العالية في العالم، وذلك وفق تعداد السكان لعام 2013 والبالغ (25738) بحسب ما جاء في المجموعة الإحصائية السورية، الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء.
غير متوازن
وبحسب خبراء الاقتصاد أن التوزع والانتشار غير المتوازن لمشاريع التنمية في المحافظات والمدن السورية ساهم في زيادة نسب البطالة، خاصة أن خطط الاهتمام بإنعاش الريف لم تخرج في الكثير منها عن المخططات الورقية، ونتيجة هذا الخلل يُلاحظ أن فرص العمل في دمشق على سبيل المثال متاحة أكثر عن باقي المحافظات، وهذا ما يسبب الكثافة السكانية العالية فيها وفي ريفها، في حين قد تجد بعض المدن والبلدات تكاد تكون خالية من الأيدي العاملة الشابة.
التشغيل المنقوص
ولا تتوقف خطورة البطالة عند هذا الحد، بل هناك البطالة المقنعة أو التشغيل المنقوص بحسب المصطلحات الاقتصادية، كون الموظفون لا يعملون بكامل طاقاتهم، وبغض النظر عن أهمية الدور الاجتماعي للدولة بهذا الخصوص في مرحلة من المراحل لكن البطالة المقنعة باتت أكثر خطورة!، وما زاد الطين بلة هو هجرة أعداد كبيرة من الشباب السوري والخبرات نتيجة ظروف الحرب التي أدت إلى إضعاف عملية النمو والتطوير الاقتصادي مما أدى إلى خلل في سوق العمل التي لم تعد قادرة على استيعاب طالبي فرص العمل وخاصة من الخريجين في الجامعات.
ظاهرة ومستترة!
لن نذهب بعيداً في البحث عن مخاطر البطالة، ففي عام 2005 دق التقرير الوطني للتنمية البشرية ناقوس الخطر، عندما أشار بوضوح إلى البطلة المؤلمة لخريجي الجامعات والمعاهد سواء بصورة ظاهرة أو مستترة، حيث بيّن بالأرقام أن أكثر من 35% من خريجي الجامعات يعملون في غير تخصصاتهم، وذلك بحسب نتائج مسح القوة العاملة التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء، ومنذ ذاك التاريخ ولغاية اليوم استمرت آلام الشباب الجامعي من البطالة نتيجة عدم هيكلة البنية الاقتصادية وتجميد الاستثمار في القطاعين العام والخاص..!.
عرض وطلب
للأسف ما زلنا نعاني من غياب واضح فيما يخص وضع إستراتيجية واضحة لتنظيم سوق العمل وتوزيع قوته على القطاعات الاقتصادية ومواصلة تحسين البيئة الاستثمارية من خلال اعتماد سياسة اقتصادية قائمة على قوانين العرض والطلب. بمعنى آخر نحتاج إلى تكثيف الجهود الإنمائية وتطوير قطاع الإنتاج في مختلف المجالات، بما يوفر النمو في الناتج المحلي ويوفر فائضاً اقتصاديا يمكن استثماره في دعم وتنمية المشروعات الصغيرة التي ما تزال تفتقد بوصلتها الصحيحة، ونؤكد هنا على أهمية توفير قاعدة معلومات تعليمية وتوظيفية تساعد مؤسسات التعليم والتوظيف على معرفة البدائل المتوفرة بما يحقق المزيد من فرص العمل.
وختاماً نقول لراسمي السياسات الاقتصادية وأصحاب القرار التنفيذي: لم يعد مقبولاً أن تبقى عملية تخطيط القوة العاملة خارج إطار العمل الجاد المبني على بحوث ودراسات من وحي أرض الواقع، بحيث يتم من خلالها كشف متطلبات سوق العمل وحاجاته، والأهم البحث عن إجراءات وحلول ناجعة للحد من الهجرة الكثيفة للكوادر التي باتت هدفاً لكل شاب بمجرد أن يأخذ شهادة الثانوية!
غسان فطوم