حي “الطوافرة” بحماة عبق الماضي وأصالة الحاضر
البعث الأسبوعية- معالي الخالد
يعد حي “الطوافرة” من الأحياء الفريدة التي ما زالت محافظة على شكلها وطرازها التاريخي الذي يعود إلى عام /1260م/ وقد تم ترميمه مؤخراً، ويضم هذا الحي العديد الأوابد التاريخية من النواعير، وثلاثة جوامع هي: “جامع نور الدين زنكي”، جامع “الخان قاه”، وجامع “المصلى”، وجامع النوري كذلك يضم “حمام السلطان” و”حمام العثمانية” والكثير من البيوت بيت أي طيفور ومبنى العاديات، وقال رئيس دائرة آثار حماة المهندس حازم جركس بأن حي الطوافرة هو الجزء التحتاني من حي الباشورة قديماً وقد تم فصله عن الباشورة عن طريق مرور شارع أبي الفداء وبالتالي تم فصله عن الباشورة.
ويعود تسمية حي الطوافرة نسبة لعائلة حموية كانت تقطن بالحي وهم آل طيفور، حيث يمتد الحي من قهوة المأمورية جنوباً حتى جامع النوري شمالاً وشارع أبي الفداء غرباً ونهر العاصي شرقاً، ويعود بناء هذا الحي إلى الفترة العثمانية ومعظم أبنيته أشيدت بالقرن السابع عشر وإن شريحة حي الطوافرة مسجلة بموجب قرارات وزارية على أنها شرائح أثرية يتم التعامل فيها وفق اشتراطات المديرية العامة للآثار والمتاحف ويتم الحفاظ عليها وحمايتها وترميمها.
ويمتاز الحي بأزقته الضيقة التي تضم اسبطة أثرية على شكل عقود حجرية والواجهات الخارجية من الحجر الكلسي الأبيض الغشيم والمطعم بالحجر الأسود البازلتي وأرضيته من الحجر البازلتي وقد طرأ عليها ترميمات من قبل مديرية المدينة القديمة وذلك تخت إشراف دائرة الآثار بحماة.
أما عزة منينة من مديرية السياحة بحماة فحدثتناً مطولاً عن الحي القديم وقالت كما أنه يوجد في هذا الحي العريق مقامات والقصور من أشهرها “قصر أسعد باشا العظم” الذي تحول بعد انتقال متحف “حماة” الوطني منه إلى “متحف التقاليد الشعبية”، ويضم أيضاً مطعم “اسبازيا” ومراسم الفنانين.
وتُعتبر حارة الطوافرة، وهي إحدى حارات حماة القديمة، كنزاً أثرياً عريقاً، وتراثاً معمارياً قديماً تفوح منه روائح التاريخ وعبقه وأصالته، فبيوتها تتبدَّى لناظرها، وهي حتّى في حالة صمتها، كأنّها تتحدّث بلغة الماضي لتوحي بجلالها وعظَمتها. وقد تعتريك رهبة غامضة وأنت تمرُّ في دروبها الملتوية الضيّقة لا تعرف من أين مصدرها؟ ولا من أين أتت. وتتساءل أهي من جلال وعظَمة التاريخ، أم من هيبة روح المكان الذي يرقى لمرتبة القدسيَّة؟ أم من تذكّر كم من الملوك والأمراء والناس عبرت منه ومشت فيه؟ فهي أيضاً تُفضي إلى بيت والي حماة أسعد باشا العظم وقصره الذي ما زال درَّة القصور وقد غدا لروعته متحفاً؟ وتبدو لك أبواب الدُور المتقابلة على جانبي الدروب في هذه الحارة وأنت تمرّ من أمامها كأنّها النسوة الجارات أصحاب هذه البيوت أيّام زمان، يتهامسنَ من وراء الأبواب أو يتشاورنَ من خلف خشب الشبابيك المخرّمة لدُورهنّ المطلّة على الدرب، وتعجب لهذه الدُور كيف أنّها ما زالت تحافظ على طابعها الشرقي القديم وتفاصيلها المعمارية حيث طراز البيت العربي الذي أصبح صفحة من الماضي وأثراً من تراث بلدنا الخالد، هذا التراث البديع الذي يعبِّر عن أسلوب معيشة عاشها الأهل في حبِّ ووئام وتواصل وأريحيّة وحميميّة طوال قرون غابرة.
وهنا كم تشعر في أعماقك بسموّ روحي لم تشعر به من قبل. ويطالعك وأنت تعبر في بداية الحارة القناطر الحجرية وهي تحمل الساقية التي تصبُّ فيها مياه نهر العاصي وقد نقلتها ناعورة المأمورية، ثمّ دربان أحدهما مستقيم يقودك مباشرة نحو بيت شرقي رائع، وقد تحوّل وصار مطعماً باسم “اسبازيا”، ثمّ ينتهي هذا الدرب بفسحة تفضي إلى دائرة حماة القديمة التابعة لمجلس المدينة. ويبدو الدرب الثاني في بداية الحارة أكثر جَمالاً وشاعرية حيث يأخذك في تعرّجه نحو زقاق آخَر يقودك إلى حمّام العثمانية. ويصادفك منظر حجرية ناعورة المأمورية فناعورة المؤيدية والعثمانية في حجمهما الصغير نسبة إلى ناعورة المأمورية فطاحونة المأمورية.
وتتابع السير فتعتريك رطوبة منعشة ويرتسم أمامك منظر جميل رائع مبهج للعين والروح والإحساس، وخاصّة عندما ترى صور تعانق الماء وأطياف أشعّة الشمس تنسلّ من خلال أغصان الأشجار وأوراقها والظلال مشكّلة سيمفونية رائعة من الألوان، ويلفح وجهك بعض من رذاذ ناعورة المأمورية وأنت تمرّ وتسمع أنينها، وتتأمّل مظاهر الإبداع تلك فتحلّق بك الروح على غير إرادة منك لتهيم في فضاء أسطوري لا يحدُّه زمان أو مكان، وتشعر كأنّ عين القلب هي التي تبصر قبل عين الرأس.
وتتابع السير من تحت ساباط حيث ترى جدران البيوت السامقة وكيف يتعرّش عليها الياسمين ونبات “المستحيِّة” لتنشر ظلالاً تحمي المارّة من وهج الشمس، وتطالعك على يسارك حمّام العثمانية فدرب ضيّق يتفرّع في وسطه على اليمين زقاق البارزي فترى مباشرةً قصر أسعد باشا العظم والي حماة، وهنا يلتقي الدربان ليتابع أحدهما فيوصلك حتّى جامع النُوري والآخَر يسير بجوار العاصي والبساتين لتطالعك ناعورتا الجعبرية والصهيونية، وعلى شمالك بيمارستان النُوري، وتمرُّ من تحـت ساباط طويل لجامع النُوري فتجد نفسك أخـيراً وقـد وصلت لفسحـة تقع أمام بداية جسر الشيخ عبد القادر كيلاني، وهنا تؤخذ بالمنظـر البديع لجامع النُوري في مئذنته المربّعة وقبابه المضلّعة والعاصي وناعورة الجعبـرية والصهيونية والكيـلانية، ثمّ من خلفك منظر القلعة البديع فسحر الطبيعة الخلاّب وسط الأوابـد التاريخية، وأنين النواعير، إنّه المنظر الذي لا يشابهه منظر في شتّى أصقاع الأرض، وتلك عطيّة منَّ الله بـها على حماة فحقَّ لأهلها أن يفاخروا، ويعتزُّوا بجَمال مدينتهم.
“أبي الفداء”
يذكر أن أهالي حي الطوافرة وعند دخول قوات الاستعمار الفرنسي لمدينة حماة وحرصاً منهم على الحفاظ على قصر العظم الأثري الذي يمثل أهم الأوابد الحضارية فيه من المصادرة واعتماده كثكنة عسكرية على غرار ما فعلوا في بيت عنبر بمدينة دمشق، قاموا بتحويل القصر إلى مدرسة باسم دار العلم والتربية الأمر الذي حماه من عبث الفرنسيين.