البيانات الضخمة.. أداة فاعلة في بناء القرارات الاقتصادية السليمة ..واستثمار الموارد المحدودة حالياً بالشكل الأمثل ؟!
دمشق _ بشير فرزان
أكد الباحث الاقتصادي شامل بدران أن الكم الهائل من البيانات التي يجري إنتاجها وتخزينها وإتاحتها من مواقع متعددة أصبح مصدر قوة رئيسي لأي مجتمع قائم على المعرفة، فهذه البيانات الضخمة تمثل مرحلة هامة من مراحل تطور نظم وتقنية المعلومات والاتصالات التي من شأنها في حال إدارتها على نحو صحيح أن تسهم إسهاماً مؤثراً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستمرة.
ولفت إلى انه نظراً لتطلع سورية لمرحلة ما بعد الحرب، ووضع الاستراتيجيات المناسبة لتجاوز الحرب الاقتصادية المستمرة والتخفيف من حجم الحصار الاقتصادي الجائر، كان هناك جملة من الركائز الأساسية للمرحلة القادمة وفي مقدمتها تحسين الواقعين الخدمي والمعيشي وزيادة الإنتاج واستثمار الموارد الذاتية بالشكل الأمثل وتهيئة البيئة المناسبة للاستثمار في مختلف القطاعات وأكد أهمية استخدام تحليل البيانات الضخمة كأداة فاعلة جداً في بناء القرارات الاقتصادية السليمة وذات الجدوى من حيث استثمار الموارد المحدودة حالياً بالشكل الأمثل لتجاوز جزء كبير من الضغوطات الداخلية والخارجية على الاقتصاد السوري.
وتحدث بدران عن تعريف البيانات الضخمة وفق الشركات المتخصصة بأنها الأصول المعلوماتية كبيرة الحجم وسريعة التدفق وكثيرة التنوع، والتي تتطلب طرق معالجة مجدية اقتصادياً ومبتكرة من أجل تطوير طرق اتخاذ القرار أما المنظمة الدولية للمعايير فقد عرفت البيانات الضخمة على أنها مجموعة أو مجموعات من البيانات لها خصائص فريدة مثل الحجم، السرعة، التنوع، التباين، المصداقية وصحة البيانات وعرف الاتحاد الدولي للاتصالات البيانات الضخمة على أنها مجموعة البيانات التي تتميز بالحجم الكبير والسرعة الفائقة والتنوع الواضح مقارنة بأنواع مجموعة البيانات المتعارف عليها.
ولفت إلى أن أهمية البيانات الضخمة والقيمة المضافة المترتبة على تحليلها تأتي من أنها تقدم ميزة تنافسية عالية للمؤسسات في حال تم تحليلها والاستفادة منها، إذ تجعل المؤسسات أكثر فعالية بناء على المعلومات المستخدمة من قواعد بيانات الزبائن، وبالتالي زيادة الكفاءة، الربح، والحد من الخسائر والمخاطر ومن أهم المجالات للاستفادة من تخزين البيانات الضخمة وتحليلها (إدارة أصول المؤسسات _ قواعد بيانات خاصة بالمستفيدين_ تنمية الموارد البشرية
_نظم المعلومات المتاحة بالمؤسسة)وفيما يخص القيمة المضافة للبيانات الضخمة أكد أنه أصبحت تستعمل كأداة للدراسات وبناء الاستراتيجيات وتعمل تطبيقات البيانات الضخمة على تغيير الكفاءة التشغيلية لتلك المؤسسات، واتخاذ القرار المناسب بالوقت المناسب وتحقيق قيمة مضافة، وذلك من خلال التوصيف الدقيق والصحيح لماهية البيانات الضخمة، وكيفية الاستفادة من تقنياتها وتحديداً أفضل الممارسات للمؤسسات وسلامة بياناتها.
ولفت بدران إلى أن الدراسات أشارت إلى أن البيانات الضخمة تساهم بشكل كبير في بناء صناعات، ونشاطات، وهياكل وأسواق جديدة. وهذا مهم جداً في كثير من الدول لا سيما في سورية خلال مرحلة إعادة الإعمار كما كشفت الدراسات أهمية استخدام البيانات الضخمة في المجال الصناعي كجزء من نظام ذكاء الأعمال حيث تتم عملية معالجة البيانات الضخمة بغرض تطوير المنتجات، واستخدام منتجات جديدة، وخفض تكاليف الإنتاج، وتفادي الأخطاء لمساعدة متخذي القرار.
وحول التحديات التي تواجه تحليل البيانات الضخمة بين بدران أن هذه التحديات تتمثل
بحجم البيانات الضخمة المتزايد بشكل دائم والنمو الهائل والمتسارع في كمية البيانات والبحث والاسترجاع العشوائي داخل البيانات وعدم توافر الخبرات المتخصصة في تحليل البيانات الضخمة وعدم توافر الأنظمة الآلية ذات الخبرة التي تتوافق مع احتياجات المؤسسات وتنوع أمن البيانات.
وفيما يخص تطبيقات البيانات الضخمة أشار إلى أنها تستخدم لزيادة الكفاءة والإنتاجية على مستوى جميع القطاعات في المجتمع، مشيراً إلى أن من أهم القطاعات التي طبقت البيانات الضخمة القطاع الحكومي حيث تحتاج الحكومة إلى التعامل مع مختلف القضايا المعقدة المحلية والوطنية والعالمية يومياً، وتطبيق البيانات الضخمة يمكن أن يترك أثراً هائلاً على هذا القطاع من خلال جمع كل المعلومات عن ملايين الأشخاص والتي تساعد على اتخاذ أي قرار بالنظر إلى خصائص السكان، فهو يسمح بتحليل تأثير أي قرار، وإجراء التغيير المناسب للقرارات غير الصحيحة. وفي المجال الاقتصادي أصبح بإمكان الشركات والمؤسسات الاستفادة من تحليل حركة الزبائن، حيث ان زبائنهم أبرز الأصول لأي عمل تجاري فإذا تم إرضاء الزبائن وفهم احتياجاتهم، سيكون بمقدور المؤسسة أن تنافس المؤسسات الموجودة في السوق.
وعن الاستخدامات الإحصائية للبيانات الضخمة أوضح بدران أنها تلعب دوراً كبيراً في المؤسسات الإحصائية التي تواجه مطالب بيانات أكثر وأفضل وبموارد ووقت أقل، حيث تساعد على استكمال الاحصائيات عندما تكون المصادر التقليدية ليست كافية، وتقلل من التكلفة والوقت اللازم لجمع البيانات الإحصائية المطلوبة على الرغم من وجود بعض التحديات التي قد تظهر عند استخدام البيانات الضخمة كتوفير الآليات التكنولوجية المناسبة للتعامل مع البيانات الضخمة وتنظيمها وتنقيحها بحيث تصبح قابلة للاستخدام الإحصائي، وإكساب العاملين المهارات والتدريب الكافي للتعامل مع هذا النوع من البيانات، وتكون هذه العملية ككل ضمن أطر الجودة المحددة لدى المؤسسات الإحصائية، وتكون هذه الآليات ضمن الميزانية المالية للمؤسسات الإحصائية، بالإضافة لتحديد موارد البيانات الضخمة.
وأكد أن المجتمع الإحصائي أدرك إمكانيات البيانات الضخمة في تحسين العمل الإحصائي وخفض تكاليف الإحصاءات الرسمية ففي عام 2014 أنشأت الأمم المتحدة مجموعة عمل دولية (GWG) لتقوم بتقديم استراتيجية واتجاهاً وتنسيقاً لبرنامج دولي حول استخدام مصادر البيانات الجديدة والتقنيات الجديدة والتي تعتبر ضرورة للأنظمة الإحصائية الوطنية لتبقى ذات صلة في مشهد البيانات سريع الحركة وحدد بدران أبرز التطبيقات للبيانات الضخمة في انتاج المؤشرات الإحصائية كاستخدام بيانات الانترنت لإنتاج مؤشرات أسعار المستهلك وعمليات البحث (Google) للتنبؤ الآني لحالة الاقتصاد واستخدام بيانات الأقمار الصناعية لتقدير إحصاءات المحاصيل الزراعية (نوع المحاصيل والتنبؤ بالإنتاجية) وبيانات الهاتف المحمول لقياس إحصاءات السياحة واستخدام بيانات الماسح الضوئي لحساب إحصاءات الأسعار وتجميع إحصاءات النقل البحري لمعرفة مدى تأثير جائحة كورونا على مجالات التجارة والسفر والنقل باستخدام بيانات تتبع سفينة AIS واستخدام بيانات من شبكات الهاتف المحمول لتتبع تحركات الناس في جميع أنحاء البلاد للتنبؤ بإحصاءات تفشي كورونا.
وقدم بدران مقترحات عملية لاستخدام البيانات الضخمة في سورية خلال فترة ما بعد الحرب حيث أشار إلى أن سورية وضعت استراتيجيات هامة على صعيد أتمتة الخدمات وتقديمها إلكترونياً ولكن لم يتم وضع خطوات عملية لاستخدام البيانات الضخمة بالرغم من أهميتها لذلك أقترح بدران البدء بوضع إستراتيجية فورية لتطوير منظومة استخدام المعلومات في سورية تعتمد بشكل أساسي على الطرق الحديثة في جمع وتحليل البيانات ليتم استثمارها في خدمة الاقتصاد الوطني، وادخال تحليل البيانات الضخمة كعنصر أساسي في تلك الإستراتيجية وتوفير التجهيزات التقنية المتطورة لاستخدام تحليل البيانات الضخمة من قبل الجهات الفنية، ليتم تحليلها ووضعها في الاستثمار من قبل الجهات الاقتصادية الحكومية ليتسنى اتخاذ قرارات اقتصادية موثوقة تسهم في تحسين الوضع المعيشي وتشكيل فريق فني متخصص من الكفاءات العلمية والعملية لتحليل البيانات الضخمة وتقديمها بصورة مفيدة وسهلة لمتخذي القرار الاقتصادي على الصعيد الكلي كالاستثمار والإنتاج واستثمار البيانات الضخمة في كافة المجالات الاقتصادية ومن قبل القطاعين الحكومي والخاص، لجهة تخفيض تكاليف الإنتاج وفتح أسواق محلية وخارجية جديدة والاستفادة من التجارب الدولية في مجال تحليل البيانات الضخمة لتطوير الاقتصاد.